وكان من آثار سيطرة العلوم الطبيعية والتجريبية فى القرن الماضى على العقول الغربية أن نادى بعض مؤرخى الأدب هناك بوجوب تطبيق مناهجها وقواعدها على الدراسات الأدبية، وحاول نفر منهم أن يضع للأدب قوانين كقوانين الطبيعة، وتقدم سانت بيف (Sainte-Beuve) يدعو إلى العناية بشخصيات الأدباء وتعقّب حياتهم المادية والمعنوية ومؤثراتها، حتى نتبين ما ينفرد به الأديب وما يشترك فيه مع سواه من الأدباء، فإذا تبينا الطرفين أمكن أن نضع الأدباء فى فصائل وأسر على نحو ما يصنع علماء النبات إذ يرتبونه فى أنواع وفصائل نباتية مختلفة. وبالمثل يضع مؤرخو الأدب أصحابه فى طبقات وفصائل على أساس ما يقوم بين الأديب وفصيلته من تشابه، وهو تشابه تستخلص منه قوانين الأدب العلمية وما يمتاز به أصحاب كل فصيلة من خصائص وصفات. وتلاه تين (Taine) يقرر أن هناك قوانين ثلاثة يخضع لها الأدب فى كل أمة وهى الجنس والزمان والمكان، وكأنه أراد أن يحوّل تاريخ الأدب إلى ضرب من التاريخ الطبيعى، فأدباء كل أمة يخضعون لهذه القوانين الثلاثة خضوعا جبريّا ملزما، فلكل جنس خواصه، ولكل زمان أحداثه وظروفه الاقتصادية والسياسية والثقافية، ولكل مكان ميزاته الإقليمية والجغرافية، وتلك هى مؤثرات الأدب، بل قوانينه التى تطبع الأدباء بطوابعها الدقيقة. ولا حظ مؤرخو الأدب ونقاده أنه تجاهل شخصيات الأدباء وفرديتهم ومواهبهم وأصالتهم، ولو أن قوانينه صحيحة لكان كل أديب صورة مطابقة للأدباء الآخرين، ولما تميز أديب من سواه. والواقع يثبت عكس ذلك فلكل أديب شخصيته التى تجعل منه أديبا بعينه، له مقوماته.
وبجانب هذين المنهجين فى دراسة تاريخ الأدب وجد منهج ثالث عند برونتيير (Brunetiere) الذى فتن بمذهب داروين المعروف فى التطور ونشوء الكائنات العضوية وارتقائها، وكان (سبنسر) سبقه إلى نقله من العضويات إلى المعنويات، وطبقه على الأخلاق والاجتماع، فحاول هو أن يطبقه على الأدب وفنونه المختلفة، واختار لهذا التطبيق ثلاثة فنون، هى: المسرح والنقد الأدبى والشعر الغنائى، فتتبع كلا فى نشأته ونموه وتطوره وما عمل فيه من مؤثرات، وذهب إلى أن الفنون الأدبية مثل الكائنات الحية تخضع للتطور، وقد يتولد بعضها من بعض