للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النظر، فعمد توّا إلى تنظيم الدعوة العباسية سرّا من مقرّه فى الحميمة متخذا من الكوفة دار التشيع ومستقره مهدا لها ومركزا (١)، ووضع خطة تنظيمها هناك فى يد ميسرة، وجعل له الإشراف على الدعوة بخراسان حيث كان الموالى هناك يمتلثون سخطا وموجدة على الأمويين الذين كانوا لا يزيلون عنهم ظلما إلا ليقيموا مكانه ظلما أشد عنفا. وقد اتخذ دعاته هناك من التجار وكانوا أخلاطا من عرب وموال، فمضوا يثيرون الناس هناك ضد بنى أمية مصورين ما ينبغى أن يسود فى الأرض من العدل وإزالة الظلم، ومات ميسرة سنة ١٠٥ فأقام محمد بن على مكانه بكير (٢) بن ماهان، وكان لا يقل عن سلفه دهاء ونهوضا بعظائم الأمور، فوثّق الدعوة ونظمها بخراسان خير تنظيم. وتوفى الإمام محمد بن على سنة ١٢٥ عاهدا بالإمامة من بعده لابنه إبراهيم فارتضاه الدعاة وتوفّى على إثره بكير فخلفه على الدعوة صهره أبو سلمة (٣) الحلاّل، فجدّ فى الأمر وجدّ معه الدعاة.

وكان الوليد بن يزيد بن عبد الملك قد ولى الخلافة، وكان مدمنا للخمر منادما للفسّاق والمغانى، وكأنما كان إشارة الوقت لما أدرك الخلافة الأموية من ضعف وفساد، فاستغل ذلك أيما استغلال دعاة أبى سلمة فى خراسان، فقد بدا فى وضوح فساد الحكم كما بدا فساد النظم الاجتماعية التى رزح الموالى تحت أثقالها الباهظة. وتراءى حينئذ فى الأفق أن سلطان البيت الأموى يؤذن بالسقوط، لا لما انتشر فيه من فساد الترف فحسب، بل أيضا لما نشب من خلاف عنيف بين أفراده، إذ لم يلبثوا أن قتلوا الوليد وأخذوا يتطاحنون على عرش الخلافة تطاحنا مرّا، وتغلّب بأخرة مروان بن محمد، غير أنهم نابذوه وثاروا ضده، وانتهز الخوارج الفرصة، فنازلوه فى الموصل وفى اليمن والحجاز.

وفى هذه الأثناء تولى أبو مسلم الخراسانى قيادة (٤) الدعوة فى موطنه، وكان من دهاة الرجال ومن أكفئهم فى النهوض بجلائل الأعمال، فأخذ يصور للناس فساد الحكم الأموى وما يسومهم به من خسف وظلم وكيف أنه سيملّكهم الأرض ويجعلهم


(١) انظر فى تنظيم الدعوة العباسية فلهوزن فى كتابه تاريخ الدولة العربية وسقوطها (ترجمة أبى ريدة) ص ٤٧٨ وما بعدها.
(٢) تاريخ الدولة العربية ص ٤٨٠ والطبرى (طبع مطبعة الاستقامة بالقاهرة) ٥/ ٣٧٦.
(٣) فلهوزن ص ٤٨٦ وما بعدها والطبرى ٥/ ٦٢٢.
(٤) فلهوزن ص ٤٩١.

<<  <  ج: ص:  >  >>