الغربى. وكان على كل باب خارجى مجلس يصعد إليه على الخليل وقباب مذهبة فى رأسها تماثيل تتجه مع الريح، وكان بين كل قبتين ثمانية وعشرون برجا مجهزة بأدوات الدفاع عن المدينة. وبنى فى الرحبة الداخلية مسجد كبير، وبنى بجواره قصر المنصور المسمى باسم قصر الذهب، وقد أقيم فى صدره إيوان شامخ يتصل بإيوان مثله جعلت فوقه قبة عظيمة عرفت باسم القبة الخضراء، وكان يعلوها تمثال فارس بيده رمح ولا يزال الفارس يدور مع الريح. وبنيت دور كثيرة للدواوين والخزائن. وأقطع المنصور قواده كثيرا من القطائع داخلها، ومن أجل ذلك نسبت دروبها إليهم، وأقطع الجند أرباضها كما أقطع أهل بيته أطرافها، وابتنى لنفسه قصرا صيفيّا على دجلة وراء باب خراسان سماه «قصر الخلد». وأجرى الماء إليها فى قناتين بطنّتا وغطّيتا بخشب الساج حتى لا تلوّثهما دواب السقائين، وتعددت فيها وفى ضواحيها بعد ذلك القنوات. وفى سنة ١٥١ أمر المنصور بإنشاء معسكر للمهدى أمامها شرقى دجلة، جعل له سورا وخندقا، ومن ورائهما قصر الرصافة بناه للمهدى. وسرعان ما أنشأ كبار القواد حول القصر منازل لهم وتكاثرت الأبنية وضمّ إليها كثير من الأرباض بحيث أصبح هذا المعسكر شطر بغداد الشرقى. ووصل المنصور بين الشطرين بجسرين كبيرين من السفن. وبذلك اتسعت بغداد فشملت المدينة المدورة فى الغرب والرصافة فى الشرق، كما شملت أرباضا ومحال كثيرة من أهمها محلة الحربية نسبة إلى حرب أحد قواد المنصور، ومحلة الكرخ وبها كانت أسواق التجار ودور الملاهى. ومن محلاتها الشرقية محلة الشماسية، وبها ابتنى البرامكة كثيرا من قصورهم.
وما لبثت بغداد أن اصبحت أهم مدينة فى العالم العربى، إذ بنيت بها مئات المساجد وعشرات القصور الفخمة، وتكاثر بها التجار والصناع، وكان لكل طائفة منهم شارع خاص أو سوق خاصة، فهذا سوق العطارين وذاك سوق البزازين، وهذا سوق الصيارفة مستبدلى النقود وذاك سوق الورّاقين، وهذا سوق بائعى الحلى والطرف المعدنية وذاك سوق الرقيق المكتظ بالجوارى من كل جنس. وأمّها المغنون والمغنيات، ونزلها الأدباء والعلماء من كل صنف وعلى كل لون. فزخرت بالحياة، تزينها البساتين الملحقة بالدور والقصور والمتنزهات وميادين اللعب بالصولجان وغيره،