للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَأَمَّا قَوْلُهُ عَنْ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَامُ {وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} لَا رَيْبَ أَنَّهُ سَجَدَ. كَمَا ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ سَجَدَ لِلَّهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ مَدَحَهُ بِكَوْنِهِ خَرَّ رَاكِعًا وَهَذَا أَوَّلُ السُّجُودِ وَهُوَ خُرُورُهُ. فَذَكَرَ سُبْحَانَهُ أَوَّلَ فِعْلِهِ وَهُوَ خُرُورُهُ رَاكِعًا لِيُبَيِّنَ أَنَّ هَذَا عِبَادَةٌ مَقْصُودَةٌ وَإِنْ كَانَ هَذَا الْخُرُورُ كَانَ لِيَسْجُدَ. كَمَا أَثْنَى عَلَى النَّبِيِّينَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا {إذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} {الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ} أَنَّهُمْ {إذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا} {وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ} وَذَلِكَ لِأَنَّ الْخُرُورَ هُوَ أَوَّلُ الْخُضُوعِ الْمُنَافِي لِلْكِبْرِ فَإِنَّ الْمُتَكَبِّرَ يَكْرَهُ أَنْ يَخِرَّ وَيُحِبَّ أَنْ لَا يَزَالَ مُنْتَصِبًا مُرْتَفِعًا إذَا كَانَ الْخُرُورُ فِيهِ ذُلٌّ وَتَوَاضُعٌ وَخُشُوعٌ؛ وَلِهَذَا يَأْنَفُ مِنْهُ أَهْلُ الْكِبْرِ مِنْ الْعَرَبِ وَغَيْرِ الْعَرَبِ. فَكَانَ أَحَدُهُمْ إذَا سَقَطَ مِنْهُ الشَّيْءُ لَا يَتَنَاوَلُهُ لِئَلَّا يَخِرُّ وَيَنْحَنِي. فَإِنَّ الْخُرُورَ انْخِفَاضُ الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ وَهُوَ أَعْلَى مَا فِي الْإِنْسَانِ وَأَفْضَلُهُ وَهُوَ قَدْ خُلِقَ رَفِيعًا مُنْتَصِبًا فَإِذَا خَفَضَهُ لَا سِيَّمَا بِالسُّجُودِ كَانَ ذَلِكَ غَايَةَ ذُلِّهِ؛ وَلِهَذَا لَمْ يَصْلُحْ السُّجُودُ إلَّا لِلَّهِ فَمَنْ سَجَدَ لِغَيْرِهِ فَهُوَ مُشْرِكٌ وَمَنْ لَمْ يَسْجُدْ لَهُ فَهُوَ مُسْتَكْبِرٌ عَنْ عِبَادَتِهِ وَكِلَاهُمَا كَافِرٌ مِنْ أَهْلِ النَّارِ. قَالَ تَعَالَى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} وَقَالَ