للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الثَّانِي: خَاصٌّ فِي النِّسَاءِ وَهُوَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {لَعَنَ اللَّهُ زَوَّارَاتِ الْقُبُورِ أَوْ زَائِرَاتِ الْقُبُورِ} وَقَوْلُهُ: " فَزُورُوهَا " بِطَرِيقِ التَّبَعِ فَيَدْخُلْنَ بِعُمُومٍ ضَعِيفٍ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُخْتَصًّا بِالرِّجَالِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُتَنَاوِلًا لِلنِّسَاءِ وَالْعَامُّ إذَا عُرِفَ أَنَّهُ بَعْدَ الْخَاصِّ لَمْ يَكُنْ نَاسِخًا لَهُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَصْحَابِهِ فَكَيْفَ إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْعَامَّ بَعْدَ الْخَاصِّ إذْ قَدْ يَكُونُ قَوْلُهُ: {لَعَنَ اللَّهُ زَوَّارَاتِ الْقُبُورِ} بَعْدَ إذْنِهِ لِلرِّجَالِ فِي الزِّيَارَةِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ قَرَنَهُ بِالْمُتَّخِذِينَ عَلَيْهَا الْمَسَاجِدَ وَالسُّرُجَ وَذَكَرَ هَذَا بِصِيغَةِ التَّذْكِيرِ الَّتِي تَتَنَاوَلُ الرِّجَالَ وَلَعْنُ الزَّائِرَاتِ جَعَلَهُ مُخْتَصًّا بِالنِّسَاءِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ اتِّخَاذَ الْمَسَاجِدِ وَالسُّرُجِ بَاقٍ مُحْكَمٌ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ فَكَذَلِكَ الْآخَرُ. وَأَمَّا مَا ذُكِرَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَأَحْمَدُ احْتَجَّ بِهِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ لَمَّا أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَى ذَلِكَ وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى عَنْهُ تُنَاقِضُ ذَلِكَ وَهِيَ اخْتِيَارُ الخرقي وَغَيْرِهِ مِنْ قُدَمَاءِ أَصْحَابِهِ. وَلَا حُجَّةَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ، فَإِنَّ الْمُحْتَجَّ عَلَيْهَا احْتَجَّ بِالنَّهْيِ الْعَامِّ فَدَفَعَتْ ذَلِكَ بِأَنَّ النَّهْيَ مَنْسُوخٌ، وَهُوَ كَمَا قَالَتْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَلَمْ يَذْكُرْ لَهَا الْمُحْتَجُّ النَّهْيَ الْمُخْتَصَّ بِالنِّسَاءِ الَّذِي فِيهِ لَعْنُهُنَّ عَلَى الزِّيَارَةِ. يُبَيِّنُ ذَلِكَ قَوْلُهَا: " قَدْ أَمَرَ بِزِيَارَتِهَا " فَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّهُ أَمَرَ بِهَا أَمْرًا