خَبِيثَانِ: الْكَذِبُ وَالسُّحْتُ وَهَكَذَا مَنْ يَأْكُلُ السُّحْتَ مِنْ الْبِرْطِيلِ وَنَحْوِهِ: يَسْمَعُ الْكَذِبَ كَشَهَادَةِ الزُّورِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ} . فَلَمَّا كَانَ هَؤُلَاءِ: يَسْتَجِيبُونَ لِغَيْرِ الرَّسُولِ كَمَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُ إذَا وَافَقَ آرَاءَهُمْ وَأَهْوَاءَهُمْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْحُكْمُ بَيْنَهُمْ فَإِنَّهُمْ مُتَخَيِّرُونَ بَيْنَ الْقَبُولِ مِنْهُ وَالْقَبُولِ مِمَّنْ يُخَالِفُهُ. فَكَانَ هُوَ مُتَخَيِّرًا فِي الْحُكْمِ بَيْنَهُمْ وَالْإِعْرَاضِ عَنْهُمْ. وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ بَيْنَ مَنْ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ.
وَإِذَا ظَهَرَ الْمَعْنَى تَبَيَّنَ فَصْلُ الْخِطَابِ فِي وُجُوبِ الْحُكْمِ بَيْنَ الْمُعَاهِدِينَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ: كَالْمُسْتَأْمِنِ وَالْمُهَادِنِ وَالذِّمِّيِّ؛ فَإِنَّ فِيهِ نِزَاعًا مَشْهُورًا بَيْنَ الْعُلَمَاءِ. قِيلَ: لَيْسَ بِوَاجِبِ؛ لِلتَّخَيُّرِ. وَقِيلَ: بَلْ هُوَ وَاجِبٌ وَالتَّخْيِيرُ مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} . قَالَ الْأَوَّلُونَ: أَمَّا الْأَمْرُ هُنَا أَنْ يَحْكُمَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ إذَا حَكَمَ: فَهُوَ أَمْرٌ بِصِفَةِ الْحُكْمِ؛ لَا بِأَصْلِهِ كَقَوْلِهِ: {وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ} وَقَوْلِهِ: {وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} . وَهَذَا أَصْوَبُ؛ فَإِنَّ النَّسْخَ لَا يَكُونُ بِمُحْتَمَلِ. فَكَيْفَ بِمَرْجُوحِ. وَقِيلَ: يَجِبُ فِي مَظَالِمِ الْعِبَادِ؛ دُونَ غَيْرِهَا. وَالْخِلَافُ فِي ذَلِكَ مَشْهُورٌ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute