للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ابْنِ دِرْهَمٍ؛ إنَّهُ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَتَّخِذْ إبْرَاهِيمَ خَلِيلًا وَلَمْ يُكَلِّمْ مُوسَى تَكْلِيمًا - تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُ الْجَعْدُ عُلُوًّا كَبِيرًا - ثُمَّ نَزَلَ فَذَبَحَهُ. وَبَنَوْا ذَلِكَ عَلَى قَاعِدَةِ مُبْتَدِعَةِ الصَّابِئِينَ الْمُكَذِّبِينَ بِبَعْضِ مَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ الَّذِينَ لَا يَصِفُونَ الرَّبَّ إلَّا بِالصِّفَاتِ السَّلْبِيَّةِ أَوْ الْإِضَافِيَّةِ أَوْ الْمُرَكَّبَةِ مِنْهُمَا وَهُمْ فِي هَذَا التَّعْطِيلِ مُوَافِقُونَ فِي الْحَقِيقَةِ لِفِرْعَوْنَ رَئِيسِ الْكُفَّارِ الَّذِي جَحَدَ الصَّانِعُ بِالْكُلِّيَّةِ؛ فَإِنَّ جُحُودَ صِفَاتِهِ مُسْتَلْزِمٌ لِجُحُودِ ذَاتِهِ؛ وَلِهَذَا وَافَقُوا فِرْعَوْنَ فِي تَكْذِيبِهِ لِمُوسَى بِأَنَّ رَبَّهُ فَوْقَ السَّمَوَاتِ حَيْثُ قَالَ: {يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ} {أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إلَى إلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا} بِخِلَافِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي صَدَّقَ مُوسَى لَمَّا عُرِجَ بِهِ إلَى رَبِّهِ وَأَخْبَرَ أَنَّهُ وَجَدَ مُوسَى هُنَاكَ وَأَنَّهُ جَعَلَ يَخْتَلِفُ بَيْنَ رَبِّهِ وَبَيْنَ مُوسَى فَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدَّقَ مُوسَى فِي أَنَّ رَبَّهُ فَوْقَ السَّمَوَاتِ وَفِرْعَوْنُ كَذَّبَهُ فِي ذَلِكَ. وَالنَّاسُ إمَّا مُحَمَّدِيٌّ موسوي وَإِمَّا فِرْعَوْنِيٌّ؛ إذْ فِرْعَوْنُ كَذَّبَ مُوسَى فِي أَنَّ اللَّهَ فَوْقُ وَكَذَّبَهُ فِي أَنَّ اللَّهَ كَلَّمَهُ كَمَا أَنْكَرَ وُجُودَ الصَّانِعِ وَمُحَمَّدٌ صَدَّقَ مُوسَى فِي هَذَا كُلِّهِ. وَهَؤُلَاءِ الصَّابِئَةُ الْمَحْضَةُ مِنْ الْمُتَفَلْسِفَةِ يَقُولُونَ: إنَّ اللَّهَ لَيْسَ لَهُ كَلَامٌ فِي الْحَقِيقَةِ؛ لَكِنْ كَلَامُهُ - عِنْدَ مَنْ أَظْهَرَ الْإِقْرَارَ بِالرُّسُلِ مِنْهُمْ - مَا يُفِيضُ عَلَى نُفُوسِ الْأَنْبِيَاءِ وَهُوَ أَنَّهُ مُحْدَثٌ فِي نُفُوسِهِمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ