كَانُوا أَقَامُوا دَلِيلًا عَلَى نَفْيِ كَوْنِهِ جِسْمًا فَكَيْفَ إذَا لَمْ يُقِيمُوا عَلَى ذَلِكَ دَلِيلًا وَتَنَاقَضُوا. وَهَذَا مِمَّا يَتَبَيَّنُ لَك أَنَّ مَنْ خَرَجَ عَنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَلَيْسَ مَعَهُ عِلْمٌ لَا عَقْلِيٌّ وَلَا سَمْعِيٌّ؛ لَا سِيَّمَا فِي هَذَا الْمَطْلُوبِ الْأَعْظَمِ لَكِنَّهُمْ قَدْ يَكُونُونَ مُعْتَقِدِينَ لِعَقَائِدَ صَحِيحَةٍ عَرَفُوهَا بِالْفِطْرَةِ الْعَقْلِيَّةِ وَبِمَا سَمِعُوهُ مِنْ الْقُرْآنِ وَدِينِ الْمُسْلِمِينَ فَقُلُوبُهُمْ تُثْبِتُ مَا تُثْبِتُ وَتَنْفِي مَا تَنْفِي بِنَاءً عَلَى هَذِهِ الْفِطْرَةِ الْمُكَمَّلَةِ بِالشِّرْعَةِ الْمُنَزَّلَةِ؛ لَكِنَّهُمْ سَلَكُوا هَذِهِ الطُّرُقَ الْبِدْعِيَّةَ وَلَيْسَ فِيهَا عِلْمٌ أَصْلًا؛ وَلَكِنْ يُسْتَفَادُ مِنْ كَلَامِهِمْ إبْطَالُ بَعْضِهِمْ لِقَوْلِ الْمُبْطِلِ الْآخَرِ وَبَيَانُ تَنَاقُضِهِ. وَلِهَذَا لَمَّا ذَكَرُوا الْمَقَالَاتِ الْبَاطِلَةَ فِي الرَّبِّ جَعَلُوا يَرُدُّونَهَا بِأَنَّ ذَلِكَ تَجْسِيمٌ كَمَا فَعَلَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ فِي هِدَايَةِ الْمُسْتَرْشِدِينَ وَغَيْرُهُ فَلَمْ يُقِيمُوا حُجَّةً عَلَى أُولَئِكَ الْمُبْطِلِينَ وَرَدُّوا كَثِيرًا مِمَّا يَقُولُ الْيَهُودُ بِأَنَّهُ تَجْسِيمٌ وَقَدْ كَانَ الْيَهُودُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ وَكَانُوا أَحْيَانًا يَذْكُرُونَ لَهُ بَعْضَ الصِّفَاتِ كَحَدِيثِ الْحَبْرِ وَقَدْ ذَمَّ اللَّهُ الْيَهُودَ عَلَى أَشْيَاءَ كَقَوْلِهِمْ: (إنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَإِنَّ يَدَهُ مَغْلُولَةٌ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَلَمْ يَقُلْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطُّ إنَّهُمْ يُجَسِّمُونَ وَلَا أَنَّ فِي التَّوْرَاةِ تَجْسِيمًا وَلَا عَابَهُمْ بِذَلِكَ وَلَا رَدَّ هَذِهِ الْأَقْوَالَ الْبَاطِلَةَ بِأَنَّ هَذَا تَجْسِيمٌ كَمَا فَعَلَ ذَلِكَ مَنْ فَعَلَهُ مِنْ الْنُّفَاةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute