الطَّاعَاتِ وَيَدْعُونَ رَبَّهُمْ رَغَبًا وَرَهَبًا وَيَجْتَنِبُونَ مَحَارِمَهُ وَيَحْفَظُونَ حُدُودَهُ وَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ وَيَتُوبُونَ إلَيْهِ مِنْ تَقْصِيرِهِمْ فِيمَا أَمَرَ وَتَعَدِّيهِمْ لِحُدُودِهِ؛ عِلْمًا مِنْهُمْ بِأَنَّ التَّوْبَةَ فَرْضٌ عَلَى الْعِبَادِ دَائِمًا وَاقْتِدَاءً بِنَبِيِّهِمْ حَيْثُ يَقُولُ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: {أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إلَى رَبِّكُمْ فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إلَيْهِ فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ} وَفِي رِوَايَةٍ {أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً} وَآخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ عَلَيْهِ: {إذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} {وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا} {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} . وَإِذَا عُرِفَ هَذَانِ الْأَصْلَانِ: فَعَلَيْهِمَا يَنْبَنِي جَوَابُ مَا فِي هَذَا السُّؤَالِ مِنْ الْكَلِمَاتِ وَيُعْرَفُ مَا دَخَلَ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ مِنْ الضَّلَالَاتِ.
فَقَوْلُ الْقَائِلِ: إنَّ اللَّهَ لَطَفَ ذَاتَهُ فَسَمَّاهَا حَقًّا وَكَشَفَهَا فَسَمَّاهَا خَلْقًا - هُوَ مِنْ أَقْوَالِ أَهْلِ الْوَحْدَةِ وَالْحُلُولِ وَالِاتِّحَادِ وَهُوَ بَاطِلٌ؛ فَإِنَّ اللَّطِيفَ إنْ كَانَ هُوَ الْكَثِيفُ: فَالْحَقُّ هُوَ الْخَلْقُ وَلَا تَلْطِيفَ وَلَا تَكْثِيفَ وَإِنْ كَانَ اللَّطِيفُ غَيْرَ الْكَثِيفِ: فَقَدْ ثَبَتَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْخَلْقِ وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ وَحِينَئِذٍ فَالْحَقُّ لَا يَكُونُ خَلْقًا فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنَّ ذَاتَ الْحَقِّ تَكُونُ خَلْقًا بِوَجْهِ مِنْ الْوُجُوهِ كَمَا أَنَّ ذَاتَ الْمَخْلُوقِ لَا تَكُونُ ذَاتَ الْخَالِقِ بِوَجْهِ مِنْ الْوُجُوهِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُ الْآخَرِ: " ظَهَرَ فِيهَا حَقِيقَةً وَاحْتَجَبَ عَنْهَا مَجَازًا " فَإِنَّهُ إنْ كَانَ الظَّاهِرُ غَيْرَ الْمُظَاهِرِ فَقَدْ ثَبَتَ الْفَرْقُ بَيْنَ الرَّبِّ وَالْعَبْدِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا غَيْرَ الْآخَرِ فَلَا يُتَصَوَّرُ ظُهُورٌ وَلَا احْتِجَابٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute