ثُمَّ قَوْلُهُ: " فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْحَقِّ شَهِدَهَا مَظَاهِرَ وَمَجَالِيَ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْفِرَقِ شَهِدَهَا سُتُورًا وَحُجُبًا " كَلَامٌ يَنْقُضُ بَعْضُهُ بَعْضًا فَإِنَّهُ إنْ كَانَ الْوُجُودُ وَاحِدًا لَمْ يَكُنْ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ غَيْرَ الْآخَرِ وَلَمْ يَكُنْ الشَّاهِدُ غَيْرَ الْمَشْهُودِ. وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ شُيُوخِ هَؤُلَاءِ: مَنْ قَالَ إنَّ فِي الْكَوْنِ سِوَى اللَّهِ فَقَدْ كَذَبَ. فَقَالَ لَهُ آخَرُ: فَمَنْ الَّذِي كَذَبَ؟ فَأَفْحَمَهُ. وَهَذَا لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَوْجُودٌ سِوَى الْوَاجِبِ بِنَفْسِهِ: كَانَ هُوَ الَّذِي يَكْذِبُ وَيَظْلِمُ وَيَأْكُلُ وَيَشْرَبُ وَهَذَا يُصَرِّحُ بِهِ أَئِمَّةُ هَؤُلَاءِ كَمَا يَقُولُ صَاحِبُ الْفُصُوصِ وَغَيْرُهُ: إنَّهُ مَوْصُوفٌ بِجَمِيعِ صِفَاتِ الذَّمِّ وَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي يَمْرَضُ وَيَضْرِبُ وَتُصِيبُهُ الْآفَاتُ وَيُوصَفُ بِالْمَعَايِبِ وَالنَّقَائِصِ كَمَا أَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُوصَفُ بِنُعُوتِ الْمَدْحِ وَالذَّمِّ. قَالَ: فَالْعَلِيُّ بِنَفْسِهِ هُوَ الَّذِي يَكُونُ لَهُ جَمِيعُ الصِّفَاتِ الثُّبُوتِيَّةِ وَالسَّلْبِيَّةِ سَوَاءٌ كَانَتْ مَحْمُودَةً عَقْلًا وَشَرْعًا وَعُرْفًا أَوْ مَذْمُومَةً عَقْلًا وَشَرْعًا وَعُرْفًا وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا لِمُسَمَّى اللَّهِ خَاصَّةً. وَقَالَ: أَلَا تَرَى الْحَقَّ يَظْهَرُ بِصِفَاتِ الْمُحْدَثَاتِ وَقَدْ أَخْبَرَ بِذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ وَبِصِفَاتِ النَّفْسِ وَبِصِفَاتِ الذَّمِّ؟ أَلَا تَرَى الْمَخْلُوقَ يَظْهَرُ بِصِفَاتِ الْخَالِقِ وَكُلُّهَا حَقٌّ لَهُ كَمَا أَنَّ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِ حَقٌّ لِلْخَالِقِ.
وَقَوْلُ الْقَائِلِ: لَقَدْ حَقَّ لِي عِشْقُ الْوُجُودِ وَأَهْلِهِ
يَقْتَضِي أَنَّهُ يَعْشَقُ إبْلِيسَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَكُلَّ كَافِرٍ وَيَعْشَقُ الْكِلَابَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute