للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَالَ وَقَالَ بَعْضُ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ: قَوْلُهُ {مُنْفَكِّينَ} أَيْ هَالِكِينَ. مِنْ قَوْلِهِمْ: انْفَكَّ صَلَا الْمَرْأَةِ عِنْدَ الْوِلَادَةِ وَهُوَ أَنْ يَنْفَصِلَ وَلَا يَلْتَئِمَ فَتَهْلِكَ. وَمَعْنَى الْآيَةِ: لَمْ يَكُونُوا هَالِكِينَ مُكَذِّبِينَ إلَّا بَعْدَ إقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ بِإِرْسَالِ الرَّسُولِ وَإِنْزَالِ الْكِتَابِ. وَقَدْ ذَكَرَ البغوي هَذَا وَالْأَوَّلَ. قَالَ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. (قُلْت: الْقَوْلُ الثَّانِي الَّذِي حَكَاهُ عَنْ ابْنِ كيسان هُوَ قَوْلُ الْفَرَّاءِ. وَقَدْ قَدَّمَهُ المهدوي عَلَى الْأَوَّلِ فَقَالَ: {مُنْفَكِّينَ} مِنْ " انْفَكَّ الشَّيْءُ مِنْ الشَّيْءِ " إذَا فَارَقَهُ. وَالْمَعْنَى لَمْ يَكُونُوا مُتَفَرِّقِينَ إلَّا إذَا جَاءَهُمْ الرَّسُولُ لِمُفَارَقَتِهِمْ مَا كَانَ عِنْدَهُمْ مِنْ خَبَرِهِ وَصِفَتِهِ. وَكُفْرِهِمْ بَعْدَ الْبَيِّنَاتِ. قَالَ: وَلَا يَحْتَاجُ {مُنْفَكِّينَ} عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ إلَى خَبَرٍ. وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ} . قَالَ وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْمَعْنَى لَمْ يَكُونُوا مُنْتَهِينَ عَمَّا هُمْ عَلَيْهِ. وَعَنْ مُجَاهِدٍ أَيْضًا: لَمْ يَكُونُوا لِيُؤْمِنُوا حَتَّى تَأْتِيَهُمْ الْبَيِّنَةُ. قَالَ وَقَالَ الْفَرَّاءُ: لَمْ يَكُونُوا تَارِكِينَ ذِكْرَ مَا عِنْدَهُمْ مِنْ ذِكْرِ النَّبِيِّ حَتَّى ظَهَرَ. فَلَمَّا ظَهَرَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا.