قُلْت: هَذَا الْمَعْنَى هُوَ الَّذِي قَدَّمَهُ. لَكِنَّ الْفَرَّاءَ وَابْنَ كيسان جَعَلَ الِانْفِكَاكَ مُفَارَقَتَهُمْ وَتَرْكَهُمْ لِذِكْرِهِ وَخَبَرِهِ وَالْبِشَارَةِ بِهِ. أَيْ لَمْ يَكُونُوا مُفَارِقِينَ تَارِكِينَ لِمَا عَلِمُوهُ مِنْ خَبَرِهِ حَتَّى ظَهَرَ. فَانْفَكُّوا حِينَئِذٍ. وَذَاكَ يَقُولُ: لَمْ يَكُونُوا مُنْفَكِّينَ أَيْ مُتَفَرِّقِينَ إلَّا إذَا جَاءَ الرَّسُولُ لِمُفَارَقَتِهِمْ مَا كَانَ عِنْدَهُمْ مِنْ خَبَرِهِ. وَهُوَ مَعْنَى مَا حَكَاهُ أَبُو الْفَرَجِ: لَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ إلَيْهِمْ نَبِيًّا حَتَّى بُعِثَ فَافْتَرَقُوا. فَالِانْفِكَاكُ انْفِكَاكُ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ أَوْ انْفِكَاكُهُمْ عَمَّا كَانَ عِنْدَهُمْ مِنْ عِلْمِهِ وَخَبَرِهِ. وَهَذَا الْقَوْلُ ضَعِيفٌ لَمْ يَرِدْ بِهَذِهِ الْآيَةِ قَطْعًا. فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَذْكُرْ أَهْلَ الْكِتَابِ بَلْ ذَكَرَ الْكُفَّارَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلَ الْكِتَابِ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَمْ يَكُونُوا يَعْرِفُونَهُ وَيَذْكُرُونَهُ وَيَجِدُونَهُ فِي كُتُبِهِمْ كَمَا كَانَ ذَلِكَ عِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ. وَلَا كَانُوا قَبْلَ مَبْعَثِهِ عَلَى دِينٍ وَاحِدٍ مُتَّفِقِينَ عَلَيْهِ. فَلَمَّا جَاءَ تَفَرَّقُوا. فَيَمْتَنِعُ أَنْ يُقَالَ: لَمْ يَكُنْ الْمُشْرِكُونَ تَارِكِينَ لِمَعْرِفَةِ مُحَمَّدٍ وَذِكْرِهِ وَالْإِيمَانِ بِهِ. وَلَمْ يَكُونُوا مُخْتَلِفِينَ فِي ذَلِكَ وَلَا مُتَفَرِّقِينَ فِيهِ حَتَّى بُعِثَ. فَهَذَا مَعْنًى بَاطِلٌ فِي الْمُشْرِكِينَ. وَلَا يَسْتَقِيمُ هَذَا أَيْضًا فِي أَهْلِ الْكِتَابِ. فَإِنَّ اللَّهَ إنَّمَا ذَكَرَ الْكُفَّارَ مِنْهُمْ فَقَالَ: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute