للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كَمَا فِي الصَّحِيحِ عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ المجاشعي عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: {خَلَقْت عِبَادِي يَوْمَ خَلَقْتهمْ حُنَفَاءَ - وَقَالَ فِيهِ - إنِّي مُبْتَلِيك وَمُبْتَلٍ بِك وَأَنْزَلْت عَلَيْك كِتَابًا لَا يَغْسِلُهُ الْمَاءُ تَقْرَؤُهُ نَائِمًا ويقظانا} . فَأُمَّتُنَا لَيْسَتْ مِثْلَ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ لَا يَحْفَظُونَ كُتُبَهُمْ فِي قُلُوبِهِمْ بَلْ لَوْ عَدِمَتْ الْمَصَاحِفُ كُلُّهَا كَانَ الْقُرْآنُ مَحْفُوظًا فِي قُلُوبِ الْأُمَّةِ وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ فَالْمُسْلِمُونَ أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ بَعْدَ نُزُولِ الْقُرْآنِ وَحِفْظِهِ. كَمَا فِي الصَّحِيحِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: {إنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَحْسِبُ وَلَا نَكْتُبُ الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا} . فَلَمْ يَقُلْ إنَّا لَا نَقْرَأُ كِتَابًا وَلَا نَحْفَظُ بَلْ قَالَ: لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسِبُ فَدِينُنَا لَا يَحْتَاجُ أَنْ يُكْتَبَ وَيُحْسَبَ كَمَا عَلَيْهِ أَهْلُ الْكِتَابِ مِنْ أَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ مَوَاقِيتَ صَوْمِهِمْ وَفِطْرِهِمْ بِكِتَابِ وَحِسَابٍ وَدِينُهُمْ مُعَلَّقٌ بِالْكُتُبِ لَوْ عَدِمَتْ لَمْ يَعْرِفُوا دِينَهُمْ وَلِهَذَا يُوجَدُ أَكْثَرُ أَهْلِ السُّنَّةِ يَحْفَظُونَ الْقُرْآنَ وَالْحَدِيثَ أَكْثَرَ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ وَأَهْلُ الْبِدَعِ فِيهِمْ شَبَهٌ بِأَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ. وَقَوْلُهُ: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ} هُوَ أُمِّيٌّ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ. لِأَنَّهُ لَا يَكْتُبُ وَلَا يَقْرَأُ مَا فِي الْكُتُبِ لَا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ لَا يَقْرَأُ مِنْ حِفْظِهِ بَلْ كَانَ يَحْفَظُ الْقُرْآنَ أَحْسَنَ حِفْظٍ وَالْأُمِّيُّ فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ خِلَافُ الْقَارِئِ؛ وَلَيْسَ هُوَ خِلَافَ الْكَاتِبِ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ وَيَعْنُونَ