للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

{وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إلَّا أَمَانِيَّ} وَهَذَا الِاسْتِثْنَاءُ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا أَوْ مُنْقَطِعًا فَإِنْ كَانَ مُتَّصِلًا لَمْ يَجُزْ اسْتِثْنَاءُ الْكَذِبِ وَلَا أَمَانِيِّ الْقَلْبِ مِنْ الْكِتَابِ وَإِنْ كَانَ مُنْقَطِعًا فَالِاسْتِثْنَاءُ الْمُنْقَطِعُ إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا كَانَ نَظِيرَ الْمَذْكُورِ وَشَبِيهًا لَهُ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ فَهُوَ مِنْ جِنْسِهِ الَّذِي لَمْ يُذْكَرْ فِي اللَّفْظِ؛ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْمَذْكُورِ؛ وَلِهَذَا لَا يَصْلُحُ الْمُنْقَطِعُ حَيْثُ يَصْلُحُ الِاسْتِثْنَاءُ الْمُفَرَّغُ وَذَلِكَ كَقَوْلِهِ: {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ} ثُمَّ قَالَ: {إلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى} فَهَذَا مُنْقَطِعٌ؛ لِأَنَّهُ يَحْسُنُ أَنْ يُقَالَ: (لَا يَذُوقُونَ إلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} لِأَنَّهُ يَحْسُنُ أَنْ يُقَالَ: لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ إلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً وَقَوْلُهُ: {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا} يَصْلُحُ أَنْ يُقَالَ وَمَا لَهُمْ إلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ فَهُنَا لَمَّا قَالَ: {لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إلَّا أَمَانِيَّ} يَحْسُنُ أَنْ يُقَالَ لَا يَعْلَمُونَهُ إلَّا أَمَانِيَّ فَإِنَّهُمْ يَعْلَمُونَهُ تِلَاوَةً يَقْرَءُونَهَا وَيَسْمَعُونَهَا وَلَا يَحْسُنُ أَنْ يُقَالَ لَا يَعْلَمُونَ إلَّا مَا تَتَمَنَّاهُ قُلُوبُهُمْ أَوْ لَا يَعْلَمُونَ إلَّا الْكَذِبَ فَإِنَّهُمْ قَدْ كَانُوا يَعْلَمُونَ مَا هُوَ صِدْقٌ أَيْضًا فَلَيْسَ كُلُّ مَا عَلِمُوهُ مِنْ عُلَمَائِهِمْ كَانَ كَذِبًا بِخِلَافِ الَّذِي لَا يَعْقِلُ مَعْنَى الْكِتَابِ فَإِنَّهُ لَا يَعْلَمُ إلَّا تِلَاوَةً. وَأَيْضًا فَهَذِهِ الْأَمَانِيُّ الْبَاطِلَةُ الَّتِي تَمَنَّوْهَا بِقُلُوبِهِمْ وَقَالُوهَا بِأَلْسِنَتِهِمْ.