وَالنِّيَّةُ وَالْقَصْدُ هُمَا عَمَلُ الْقَلْبِ فَلَا بُدَّ فِي الْمُتَابَعَةِ لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ اعْتِبَارِ النِّيَّةِ وَالْقَصْدِ. وَمِنْ هَذَا الْبَابِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا احْتَجَمَ وَأَمَرَ بِالْحِجَامَةِ. وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: {شِفَاءُ أُمَّتِي فِي شَرْطَةِ مِحْجَمٍ أَوْ شَرْبَةِ عَسَلٍ أَوْ كَيَّةٍ بِنَارِ وَمَا أُحِبُّ أَنْ أَكْتَوِيَ} كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْحِجَامَةِ إخْرَاجُ الدَّمِ الزَّائِدِ الَّذِي يَضُرُّ الْبَدَنَ فَهَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ وَخَصَّ الْحِجَامَةَ لِأَنَّ الْبِلَادَ الْحَارَّةَ يَخْرُجُ الدَّمُ فِيهَا إلَى سَطْحِ الْبَدَنِ فَيَخْرُجُ بِالْحِجَامَةِ فَلِهَذَا كَانَتْ الْحِجَامَةُ فِي الْحِجَازِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْبِلَادِ الْحَارَّةِ يَحْصُلُ بِهَا مَقْصُودُ اسْتِفْرَاغِ الدَّمِ وَأَمَّا الْبِلَادُ الْبَارِدَةُ فَالدَّمُ يَغُورُ فِيهَا إلَى الْعُرُوقِ فَيَحْتَاجُونَ إلَى قَطْعِ الْعُرُوقِ بِالْفِصَادِ وَهَذَا أَمْرٌ مَعْرُوفٌ بِالْحِسِّ وَالتَّجْرِبَةِ فَإِنَّهُ فِي زَمَانِ الْبَرْدِ تَسْخَنُ الْأَجْوَافُ وَتَبْرُدُ الظَّوَاهِرُ لِأَنَّ شَبِيهَ الشَّيْءِ مُنْجَذِبٌ إلَيْهِ فَإِذَا بَرَدَ الْهَوَاءُ بَرَدَ مَا يُلَاقِيهِ مِنْ الْأَبْدَانِ وَالْأَرْضِ فَيَهْرُبُ الْحَرُّ الَّذِي فِيهَا مِنْ الْبَرْدِ الْمُضَادِّ لَهُ إلَى الْأَجْوَافِ فَيَسْخَنُ بَاطِنُ الْأَرْضِ. وَأَجْوَافُ الْحَيَوَانِ وَيَأْوِي الْحَيَوَانُ إلَى الْأَكْنَانِ الدَّافِئَةِ. وَلِقُوَّةِ الْحَرَارَةِ فِي بَاطِنِ الْإِنْسَانِ يَأْكُلُ فِي الشِّتَاءِ وَفِي الْبِلَادِ الْبَارِدَةِ أَكْثَرَ مِمَّا يَأْكُلُ فِي الصَّيْفِ وَفِي الْبِلَادِ الْحَارَّةِ؛ لِأَنَّ الْحَرَارَةَ تَطْبُخُ الطَّعَامَ وَتُصَرِّفُهُ وَيَكُونُ الْمَاءُ النَّابِعُ فِي الشِّتَاءِ سُخْنًا لِسُخُونَةِ جَوْفِ الْأَرْضِ وَالدَّمُ سُخْنٌ فَيَكُونُ فِي جَوْفِ الْعُرُوقِ لَا فِي سَطْحِ الْجِلْدِ فَلَوْ احْتَجَمَ لَمْ يَنْفَعْهُ ذَلِكَ بَلْ قَدْ يَضُرُّهُ وَفِي الصَّيْفِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute