للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أسقف دير قنسرين ويعقوب الرهاوى، وله مصنف مهم فى النحو السريانى.

وكان لمن خلفوهم فى العصر العباسى اليد الطولى فى ترجمة المصنفات اليونانية من لغتها الأصلية التى كان كثير منهم يحذقها ومن لغتهم السريانية إلى اللغة العربية. وكان من أهم مراكزهم مدرسة جنديسابور القريبة من البصرة، ولعلها لذلك سبقت الكوفة فى التعرف على الفلسفة اليونانية. وكان كثير من مصنفات اليونانيين قد ترجم إلى الفارسية، فأدلى الفرس بدلوهم لا فى نقل ثقافتهم فحسب، بل أيضا فى نقل بعض الآثار اليونانية على نحو ما هو معروف من نقل ابن المقفع لمنطق أرسطو، وقد نقل كليلة ودمنة الهندى الأصل إلى العربية، وفى ذلك إشارة إلى ما كان فى الفارسية من ثقافة هندية أخذت تدخل إلى العربية بواسطة نقلتهم (١) وسنرى عما قليل أن قوما من مستعربى الهند شاركوا فى هذا النقل.

ونرى الخلفاء العباسيين منذ فاتحة العصر يعنون بهذا النقل عناية شديدة وينفقون عليه الأموال الطائلة وكأنهم لا يريدون به أن يقف عند حد أو عند غاية، يتقدمهم فى ذلك المنصور وفيه يقول المسعودى: «كان أول خليفة قرّب المنجمين وعمل بأحكام النجوم وكان معه نوبخت المجوسى وأسلم على يديه-وهو أبو هؤلاء النوبختية-وإبراهيم الفزارى المنجم وعلى بن عيسى الإسطرلابى المنجم. وهو أول خليفة ترجمت له الكتب من اللغات العجمية إلى العربية ومنها كتاب كليلة ودمنة وكتاب السند هند، وترجمت له كتب أرسططاليس من المنطقيات وغيرها، وترجم له كتاب المجسطى لبطليموس وكتاب الأرثماطيقى وكتاب أوقليدس (٢)».

واهتمام المنصور بالتنجيم يقترن بنوبخت الفارسى ويظهر أنه كان منجما كبيرا، إذ ينسب له وضع بعض الجداول (٣) الفلكية، وكذلك كان صاحباه ولثانيهما وهو على بن عيسى رسالة فى الاسطرلاب-وهو آلة فلكية لرصد الكواكب- وقد نشرها لويس شيخو. ولم يكتف المنصور بما كان عند الفرس من علم الفلك والتنجيم، فقد نقل له كتاب السند هند الهندى وكتاب المجسطى اليونانى لبطليموس وهما فى علم الهيئة والنجوم وحركات الأفلاك والكواكب. ومعنى ذلك أن العرب


(١) كانت مدينة بلخ أهم مركز إيرانى امتزجت فيه الثقافتان الفارسية والهندية، وكان بها معبد النوبهار البوذى المشهور. انظر أوليرى ص ١٤٩.
(٢) المسعودى ٤/ ٢٤١.
(٣) علوم اليونان لأوليرى ص ٢١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>