للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العرب، كما أن الخوارزمى المؤسس الأول للعلوم الرياضية والجغرافية، وكما أن يوحنا بن ماسويه المؤسس الأول للأبحاث الطبية العربية.

وكان مما عنوا بنقله إلى العربية كتب الموسيقى لأوقليدس وغيره (١)، وكان لها تأثير بعيد فى نهضة الغناء والتلحين وقد استطاع الخليل بن أحمد أن ينفذ مما ترجم منها إلى وضع علم العروض العربى، وأيضا فإنه ألف كتابا بديعا فى علم الإيقاع اتخذه إسحق الموصلى قدوته فى كتبه الموسيقية (٢).

وكل هذه السينول من الترجمة كانت تجرى معها سيول أخرى من تراث اليونان والفرس والهند، حتى ليكاد الإنسان يظن أنه لم يبق شئ من هذا التراث لم ينقل إلى العربية، سواء منه ما اتصل بالعلوم أو ما اتصل بالصناعات أو ما اتصل بالعجائب والأسمار والخرافات، أو ما اتصل بالملل والنحل. وكانت كل هذه السيول تتجمع فى دكاكين الوراقين، ويطلب كلّ منها ما يجد فيه متاعه.

وكانت الفلسفة اليونانية والمعارف العلمية أعظم ما حملت هذه السيول، وقد مضى العقل العربى يسيغهما ويتمثلهما ويضيف إليهما إضافات باهرة، والمتكلمون -وعلى رأسهم المعتزلة-هم أهم من تعمقوا الفلسفة بجميع شعبها ودقائقها، وقد عرضوها على بساط البحث، واستطاعوا أن ينفذوا إلى كثير من النظريات والأفكار والآراء التى لم يسبقهم إليها سابق.

وعلى هذا النحو أصبح العقل العربى فى العصر العباسى الأول عقلا متفلسفا كما أصبح عقلا علميّا، لا من حيث فهمه وفقهه بعلوم الأوائل بل أيضا من حيث إسهامه فيها وإضافاته الجديدة حتى ليضيف علوما لأول مرة فى تاريخ الحضارة الإنسانية على نحو ما أضاف الخوارزمى علم الجبر. وكان هذا العقل قد أظهر نضجه العلمى وإحكامه لوضع العلوم منذ القرن الثانى، مما نراه متجليا فى العلوم اللغوية والدينية ومباحث التاريخ وعلم الكلام.


(١) الفهرست ص ٣٧٢ والأغانى (طبعة دار الكتب) ٥/ ٢٧١.
(٢) إنباه الرواة ١/ ٣٤٣ ومعجم الأدباء ١١/ ٧٣ والمزهر (طبعة الحلبى) ١/ ٨١.

<<  <  ج: ص:  >  >>