للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يعنى بالهمز والتشديد والروم والإشمام (١). ويبلغ تطبيقه لفكرة التباديل والتوافيق الرياضية الغاية فى وضعه لعلم العروض، لا من حيث ما اقترحه فيه من تفاعيل فقط، بل أيضا من حيث ما وضعه فيه من دوائر، إذا قدّمت فيها أجزاء التفعيلات بعضها على بعض خرجت الأوزان التى استعملها العرب وأوزان أخرى أهملوها ولم يستعملوها، وبذلك فتح الأبواب واسعة أمام العباسيين كى يجدّدوا فى الأوزان حسب إرادتهم الفنية.

وخلفه على تراثه النحوى سيبويه المتوفى سنة ١٨٠ غير متجاوز للأربعين من عمره فى أرجح الأقوال، وقد أودع هذا التراث مصنفه الموسوم باسم «الكتاب» مضيفا إليه من أنظاره ما يدل دلالة بينة على فطنته ونفاذ بصيرته. والكتاب يعدّ آية خارقة من آيات العقل العربى حتى سماه بعضهم قرآن النحو، ويقول صاعد ابن أحمد الأندلسى: «لا أعرف كتابا ألّف فى علم من العلوم قديمها وحديثها اشتمل على جميع ذلك العلم وأحاط بأجزاء ذلك الفن غير ثلاثة كتب، أحدها المجسطى لبطليموس فى علم هيئة الأفلاك، والثانى كتاب أرسططاليس فى علم المنطق والثالث كتاب سيبويه البصرى النحوى، فإن كل واحد من هذه لم يشذ عنه من أصول فنه شئ إلا ما لا خطر له (٢)». وأهم من تلقى هذا الكتاب عن سيبويه من البصريين الأخفش الأوسط سعيد بن مسعدة المتوفى سنة ٢١١ فكان الطلاب يقرءونه عليه ويشزحه لهم ويفسره، وله فى النحو مصنفات كان ينشر فيها ضربا من الغموض والتعقيد رغبة فى التكسب بها (٣)، واشتهر بأنه أول من أملى غريب كل بيت من الشعر تحته كما اشتهر بإتقانه لعلم العروض وتأليفه فيه.

ولم يكن النشاط النحوى منذ أوائل هذا العصر خامدا فى الكوفة، فقد كان بها طائفة من النحاة غير أنهم لم يبرعوا فى النحو براعة البصريين، ومن أجل ذلك كانوا يكثرون من الرحلة إليهم والتلمذة عليهم، حتى إذا تقدم العصر أخذوا يستقلون عن نظرائهم فى البصرة بمذهب نحوى خاص بهم بحيث أصبح فى النحو مذهبان متقابلان: مذهب البصرة الذى يعنى بالقياس مستسدّا له من استعمال العرب الشائع، ومذهب الكوفة الذى يعنى بالسماع ويقدمه على القياس مهما كان شاذّا نادرا.


(١) الإتقان فى علوم القرآن للسيوطى (طبعة مطبعة حجازى بالقاهرة) ٢/ ١٧١.
(٢) معجم الأدباء ١٦/ ١١٧.
(٣) الحيوان ١/ ٩١.

<<  <  ج: ص:  >  >>