للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مصنفه الملقب باسم «الكتاب» وهو فى كثير من صفحاته يحكى آراءه وقد ذكره فى نحو ثلاثمائة وسبعين موضعا، ويقول السيرافى: «كل ما قال سيبويه: سألته أو قال من غير أن يذكر قائله فهو الخليل (١)» ويقول إنه كان الغاية فى استخراج مسائل النحو وتصحيح القياس فيه، ويقول الزبيدى: إنه استنبط من علل النحو ما لم يستنبطه أحد وما لم يسبقه إلى مثله سابق (٢)».

فالخليل هو المؤسس الحقيقى لصرح النحو العربى، بل هو المقيم لقواعده والمشيد لبنيانه وأركانه، وكانت المادتان الأساسيتان اللتان اعتمد عليهما فى رفع هذا الصرح إلى عنان السماء-كما يوضح ذلك كتاب تلميذه سيبويه-القياس والعلل، أما القياس فيتضح فى ضبطه القواعد واطرادها بحيث تنفى الشواذ، وأما العلل فمقدمات القياس التى تثبت صحته بما تقدمه من أدلة عقلية سديدة.

ويظهر أن الخليل كان يتقن المنطق الذى ترجمه صديقه ابن المقفع وما يتصل به من القياس، وأيضا فإنه كان يتقن العلوم الرياضية (٣)، وهو إتقان جعله يقف على ما يصنعه أصحاب الحساب والرياضيات فى مسائلهم الفرضية لترسخ ملكة هذه العلوم فى عقول الناشئة. وعلى ضوء من هذا الصنيع مدّ القياس فى التصريف والنحو، فتولدت له ألفاظ جديدة وفروض فى الصيغ بقصد تمرين لتلاميذ وتدريبهم وهى ما يسميه النحاة بالتمارين غير العملية. وقد تمثل تمثلا دقيقا فكرة المعادلات والتوافيق والتباديل التى هيأت عند الخوارزمى لنشأة علم الجبر، وهى تلاحظ عنده فى الميزان الصرفى وفى الخطة التى وضعها لصنع المعجم المعروف باسم «العين» إذ دفع تلميذه الليث بن نصر بن سيار أن يقلب كل الصيغ الثنائية والثلاثية والرباعية والخماسية على حروف الهجاء وبذلك حصر جميع الكلمات مما نطقت به العرب ومما لم تنطق مع نصه فى المعجم على الطرفين. وجعله يرتبه على مخارج الحروف بالضبط كما ترتّب عند الهنود حروف السنسكريتية (٤)، وفى ذلك ما يشير إلى إطلاعه على بعض الأبحاث الهندية فى الأصوات، ولعل ذلك ما جعله


(١) أخبار النحويين البصريين للسيرافى (طبعة كرنكو) ص ٤٠.
(٢) طبقات النحويين واللغويين للزبيدى (انشر الخانجى) ص ٤٣.
(٣) الزبيدى ص ٤٣ وإنباه الرواة ١/ ٣٤٦.
(٤) انظر ترجمة الخليل فى دائرة المعارف الإسلامية.

<<  <  ج: ص:  >  >>