للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شاكلة كتاب الغريب المصنف لأبى عبيد، وسترى الخليل بن أحمد يضع منهج أول معجم لغوى فى العربية. وينبغى أن نعرف أن الطريقة الأولى التى تعنى بالجزئيات المفردة ظلت غالبة على محاضرات اللغويين طوال القرون: الثانى والثالث والرابع على نحو ما يصور ذلك الكامل للمبرد ومجالس ثعلب وأمالى القالى.

وإذا تركنا جمع اللغة ورواية الشعر إلى النحو وجدنا البصرة تسبق الكوفة إلى وضع قواعده ومصطلحاته وصبغها بالصبغة العلمية، وقد حاول بعض المستشرقين أن يربطوا بين النحو العربى والنحو اليونانى أو السريانى، محاولين أن يثبتوا وجوها من الصلة بينهما وبين النحو العربى، وكأنه نشأ على هديهما (١). وأكبر الظن أنه وليد العقل العلمى العربى الذى استوى على سوقه فى القرن الثانى، ودفع دفعة إلى وضع علوم عربية كبيرة، منها اللغوى ومنها الدينى.

وجاء فى بعض المصادر القديمة أن أول من وضع العربية أبو الأسود الدؤلى المتوفّى سنة ٦٩ وشبّه على بعض القدماء والمحدثين أنه وضع شيئا من قواعد النحو، والحقيقة أنه لم يضع منها شيئا، إنما الذى وضعه حقّا وكان أول واضعيه نقط المصحف نقطا يعيّن حركات أواخر الكلم فيه أو بعبارة أدق يعين حركات الإعراب (٢)، فكان يضع نقطة فوق الحرف الأخير للكلمة إشارة إلى الفتحة، ونقطة بين يديه إشارة إلى الضمة، ونقطة تحته إشارة إلى الكسرة، وإذا تبع شيئا من هذه الحركات غنة أو تنوين نقط الحرف نقطتين. واختلط التعبير عن هذا الصنيع بكلمة العربية على بعض أصحاب كتب الطبقات فظنوا أنه وضع بعض أبواب النحو أو بعض مسائله.

وأول نحاة البصرة الحقيقيين عبد الله بن أبى إسحق الحضرمى المتوفى سنة ١١٧ وعيسى بن عمر الثقفى المتوفى سنة ١٤٩. أما ابن أبى إسحق فيقال إنه أول من نهج النحو ومدّ القياس وشرح العلل، وأما عيسى بن عمر فإنه أول من وضع الكتب فى النحو إذ ألف فيه مصنفين هما الإكمال والجامع، ويقال إن الأخير أصل كتاب سيبويه، زاد فيه وحشاه. ويعد الخليل بن أحمد المتوفّى فى سنة ١٧٥ هو الواضع الحقيقى لعلم النحو فى صورته النهائية التى أدّاها عنه تلميذه سيبويه فى


(١) راجع فى ذلك تاريخ الأدب العربى لبروكلمان ٢/ ١٢٤. ونولدكه فى مجلة الجمعية الشرقية الألمانية، المجلد ٥٩ ص ٤١٤.
(٢) انظر المحكم فى نقط المصاحف لأبى عمرو الدانى (طبع دمشق) ص ٤ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>