للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأتقياء الجنة حسب وعده الذى وعده، ومدخل العصاة النار حسب إيعاده الذى أوعده.

وأما القول بأن منزلة مرتكب الكبيرة بين منزلتين فهو قول نفذوا به من خلال رأى الخوارج القائلين بأن مرتكب الكبيرة كافر ويجب حربه وقتله ورأى الحسن البصرى القائل بأن مرتكب الكبيرة مؤمن فاسق، فقد اعتزلوا الرأيين جميعا وقالوا إنه فى منزلة وسطى بين منزلتى المؤمن والكافر. وبذلك لم ينتصروا-كما يقول نالينو-لطرف من طرفى هذه الخصومة.

وأما الأصل الخامس فيريدون به أن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر واجبان على سائر المسلمين كلّ حسب استطاعته، وكان ينبغى وهم يعتنقون هذا الأصل أن يدفعوا الدولة للضرب على أيدى المجان والفساق وأرباب الدعارة، وأيضا كان ينبغى أن يصرخوا فى وجوه الخلفاء ضد طغيانهم وظلمهم للعامة، وأن يصارحوهم بنظرية الإسلام فى الخلافة وأنها ليست حقّا من حقوق أهل البيت إنما هى حق الأكفاء من أبناء الأمة.

وقد أدّاهم النظر فى الأصول السالفة إلى مباحث كبيرة فى العلاقة بين الله والإنسان وبين الله والطبيعة وما فيها من قوى فعالة، مما جعلهم يتوسعون إلى أقصى حد فى الأبحاث الطبيعية والرياضية والفلسفية. وتجرّدوا للرد على الملاحدة وأصحاب النحل والملل ودفعهم ذلك إلى الوقوف على كل التراث العقيدى والفكرى عند المستعربين من أهل الكتب السماوية وغيرهم كالمجوس والصائبة.

وواصل بن عطاء المتوفى بالبصرة سنة ١٣١ هو مؤسس فرقتهم كما قدمنا، وهو أول من قال منهم بأن مرتكب الكبيرة فى منزلة وسطى بين منزلتى الإيمان والكفر (١)، وكان يكثر من جدال أصحاب الملل والنحل. وخلفه على آرائه ختنه عمرو بن عبيد المتوفى سنة ١٤٥ وكان يكثر من الجدال فى عقيدة العدل وما يتصل بها من حرية (٢) الإرادة. وقد مضى تلاميذه فى البصرة يفرّعون فى مسائل الاعتزال وبعض المسائل الفلسفية تفريعات انبثقت منها شعب اعتزالية كثيرة أهمها البشرية والثمامية والهذيلية والنظامية.


(١) انظر أمالى المرتضى ١/ ١٦٥ والشهرستانى ص ٣١.
(٢) أمالى المرتضى ١/ ١٦٩ وضحى الإسلام ٣/ ٩٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>