أستاذهم الأول واصل بن عطاء للحسن البصرى ومجالسه، وقيل بل يرجع إلى سريان نزعة زهد فيهم واعتزالهم الناس، ورجح نالينو أنهم نعتوا بذلك لا بتعادهم عن المنازعات الناشئة بين الخوارج وخصومهم من أهل السنة والشيعة، فقد وقفوا على الحياد لا ينصرون فريقا على فريق (١)، وبالمثل لم ينصروا العلويين على أبناء عمهم العباسيين، بل ظلوا متمسكين بحيادهم ومضوا يناضلون غلاة الشيعة نضالا عنيفا على نحو ما ناضلوا المانويين والدهريين، ولذلك احتضنهم العباسيون. واستطاع أستاذهم واصل أن يؤثر فى زيد بن على بن الحسين تأثيرا واسعا وأن يحمله على التخلص من الآراء الشيعية الغالية.
وتميز الاعتزال بأصول خمسة، هى التوحيد، والعدل، والوعد والوعيد، والقول بأن منزلة مرتكب الكبيرة بين منزلتين، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر. فأما التوحيد فأراد به المعتزلة تنزيه الله عن مشابهة المخلوقين فهو ليس بجسم ولا عرض ولا عنصر ولا جزء ولا جوهر ولا يحصره المكان ولا الزمان، وقد أولوا الآيات التى يفهم منها مشابهته للمخلوقات من مثل: {(يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ)} فمعنى اليد فى الآية عندهم القدرة، ومضوا ينفون عن الله الصفات لأنها من عوارض الأجسام، فقالوا إنها عين الذات حتى لا يتعدّد القديم جلّ جلاله، ومن أجل ذلك نفوا عنه صفة الكلام، ومن هنا اندفعوا إلى القول بأن القرآن مخلوق حتى لا يظنّ أنه قديم، ولا قديم سوى الله.
أما العدل فقد مضوا يؤصّلون عليه فكرة خلق العباد لأفعالهم وأنهم أحرار فى إرادتهم، وهى حرية ضرورية لكى يثابوا ويعاقبوا على أعمالهم دون أن يظلمهم الله مثقال ذرة، وقد أوّلوا الآيات التى تدلّ على الجبر من مثل: {(وَما تَشاؤُنَ إِلاّ أَنْ يَشاءَ اللهُ)} ودفعهم هذا الأصل إلى القول بالصلاح والأصلح وأن الله لا يأمر بالشر ولا يعمل إلا ما فيه صلاح العباد وما هو أصلح لهم.
وأما الوعد والوعيد فهو أن الله صادق فيما وعد من ثواب وأوعد من عقاب ولا مبدل لكلماته، وهم بهذا الأصل يردون على المرجئة الذين يرجئون الحكم على مرتكب الكبيرة، فالله لن يغفر لمرتكب كبيرة إثمه إلا إذا تاب وأناب، وهو لا بد مدخل
(١) انظر التراث اليونانى فى الحضارة الإسلامية لعبد الرحمن بدوى ص ١٧٣ وما بعدها.