للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شفاء العمى طول السؤال وإنما ... دوام العمى طول السكوت على الجهل

فكن سائلا عما عناك فإنما ... دعيت أخا عقل لتبحث بالعقل

ولم يكن الشاعر العباسى يلتمس المعرفة عند العلماء ولقائهم وسعيه لسؤالهم وإلحاحه فى السؤال فحسب، بل كان يلتمسها أيضا فى الكتب المترجمة من كل صنف، ومن خير ما يصور ذلك أبيات لمحمد بن يسير، يشرح فيها أنه فى بيت كتبه، وكنوز الآداب من حوله، يغذى بها نفسه وعقله غذاء ممتعا، يقول (١):

هم مؤنسون وألاّف غنيت بهم ... فليس لى فى أنيس غيرهم أرب

فأيما أدب منهم مددت يدى ... إليه فهو قريب من يدى كثب (٢)

حتى كأنى قد شاهدت عصرهم ... وقد مضت دونهم من دهرهم حقب

وابن يسير إنما يعبر عن نزوع الشعراء عامة فى عصره للتزود بجميع ألوان المعرفة وما كانوا يجدون فى ذلك من لذة عقلية لا تعد لها لذة. وقد مضوا يتمثلون كثيرا من هذه الألوان ويحيلونها غذاء شعريّا بديعا، سواء منها الهندى والفارسى واليونانى، وما لم يحيلوه تأثروا به من قريب أو من بعيد. ولنقف قليلا عند الثقافة الهندية، فقد لا حظ ابن قتيبة أن أبا نواس كان يتأثر بعض أفكارها فى أشعاره، من ذلك قوله فى الخمر:

تخيّرت والنجوم وقف ... لم يتمكّن بها المدار

يقول ابن قتيبة: «يريد أن الخمر تخيّرت حين خلق الله الفلك، وأصحاب الحساب يذكرون أن الله تعالى حين خلق النجوم جعلها مجتمعة واقفة فى برج ثم سيّرها من هناك، وأنها لا تزال جارية حتى تجتمع فى ذلك البرج الذى ابتدأها فيه، وإذا عادت إليه قامت القيامة وبطل العالم، والهند تقول إنها فى زمان نوح اجتمعت فى الحوت إلا يسيرا منها، فهلك الخلق بالطوفان، وبقى منهم بقدر ما بقى منها خارج الحوت (٣)». وينشد ابن قتيبة قول أبى نواس فى بعض المغنين هاجيا:


(١) الحيوان ١/ ٩٥.
(٢) كتب: قريب.
(٣) الشعر والشعراء ص ٧٧٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>