للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والناس مأتمهم عليه واحد ... فى كل دار رنّة وزفير

عجبا لأربع أذرع فى خمسة ... فى جوفها جبل أشمّ كبير

ولعل بطلا لم تذرف دموع الشعراء عليه كما ذرفت على يزيد بن مزيد الذى فتك بخوارج الموصل فتكة لم تقم لهم بعدها قائمة، وسنلتقى فى تراجم الشعر بمراث له مختلفة، وفى تأبينه يقول منصور النّمرى (١):

وإن تك أفنته الليالى وأوشكت ... فإن له ذكرا سيفنى اللياليا

وواضح ما فى هذه الأشعار من دقة التفكير وبعد الخيال، ويلقانا ذلك دائما فى تأبيناتهم، إذ كانوا يتنافسون فى استنباط المعانى النادرة، ومن طريف ما لمسلم ابن الوليد من هذه المعانى قوله فى رثاء شخص (٢):

أرادوا ليخفوا قبره عن عدوه ... فطيب تراب القبر دلّ على القبر

وكان الشاعر القديم كثيرا ما يفزع إلى العزاء بالأمم السالفة والقرون الخالية وأن الموت كأس دائر يتجرع غصصه جميع الناس، فردّد ذلك الشاعر العباسى فى مراثيه، وأخذ يضيف إليه من فكره الخصب تأملات فى حقائق الموت وسنن الوجود، من مثل قول ابن مناذر فى تأبين عبد المجيد الثقفى (٣):

كل حىّ لاقى الحمام فمودى ... مالحىّ مؤمّل من خلود (٤)

لا تهاب المنون شيئا ولا تر ... عى على والد ولا مولود (٥)

يقدح الدّهر فى شماريخ رضوى ... ويحطّ الصخور من هبّود (٦)

ولقد تترك الحوادث والأيّا ... م وهيا فى الصخرة الجلمود (٧)

يفعل الله ما يشاء فيمضى ... ما لفعل الإله من مردود (٨)

فكأنا للموت ركب محثّون ... سراع لمنهل مورود


(١) العقد الفريد ٣/ ٢٨٧.
(٢) الديوان ص ٣٢٠.
(٣) ابن المعتز ص ١٢٢.
(٤) الحمام: الموت. مودى: ميت.
(٥) المنون: الموت.
(٦) رضوى: جبل. وشماريخه: أعاليه. هبود: موضع.
(٧) وهيا: شقّا.
(٨) محثون: مسرعون.

<<  <  ج: ص:  >  >>