للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رأى كلّ أمّ وابنها غير أمّه ... يبيتان تحت الليل ينتجيان

وبات وحيدا فى الفراش تجنّه ... بلابل قلب دائم الخفقان (١)

فلا تلحيانى إن بكيت فإنما ... أداوى بهذا الدمع ما تريان (٢)

وهبنى عزمت الصبر عنها لأننى ... جليد فمن بالصّبر لابن ثمان

ضعيف القوى لا يطلب الأجر حسبة ... ولا يأتسى بالناس فى الحدثان (٣)

وظلت المآتم قائمة على قتلى الشيعة فى العصر والعصور السابقة منذ قتل على بن أبى طالب، فهم ينوحون عليهم نواحا حارّا، ودموعهم لا ترقأ ولا تجف، وسنعرض لذلك فى الفصل السادس. وبكى الشعراء البرامكة طويلا حين نكبهم الرشيد، من مثل قول سلم الخاسر (٤):

خوت أنجم الجدوى وشلّت يد النّدى ... وغاضت بحار الجود بعد البرامك (٥)

هوت أنجم كانت لأبناء برمك ... بها يعرف الحادى طريق المسالك

وظهرت ضروب جديدة فى الرثاء لم تكن معروفة قبل هذا العصر، من ذلك رثاء المدن حين تنزل بها كوارث النهب والحرق، وكان الجيش الذى أحاط ببغداد قبل مقتل الأمين رماها بالمجانيق فاندلعت فيها النيران واحترقت بعض الأحياء، وعمّ فيها نهب الأموال وقتل الأبرياء، مما جعل كثيرين من الشعراء يبكونها وقد غمرهم الحزن والأسى، من مثل قول بعضهم (٦):

ألا ابك لإحراق وهدم منازل ... وقتل وإنهاب اللهى والذخائر (٧)

وإبراز ربّات الخدور حواسرا ... خرجن بلا خمر ولا بمآزر

كأن لم تكن بغداد أحسن منظرا ... وملهى رأته عين لاه وناظر

ومن ضروب الرثاء الحديدة مراثى الطير الصادح من مثل القمرىّ والحيوانات


(١) تجنه: تلفه وتشنمل عليه.
(٢) لا تلحيانى: لا تلومانى.
(٣) حسبة الأجر: احتساب الثواب عند الله بالصبر على نزول الموت. الحدثان: نوائب الدهر.
(٤) مروج الذهب للمسعودى (طبعة مصر) ٣/ ٢٩٦.
(٥) خوت: سقطت وخرت. الجدوى: العطاء. الندى: الكرم.
(٦) مروج الذهب ٣/ ٣١٣.
(٧) اللهى والذخائر: الأموال.

<<  <  ج: ص:  >  >>