للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المستأنسة، وقد جعل القاسم بن يوسف أخو أحمد بن يوسف كاتب المأمون ذلك وكده، كما يقول أبو الفرج (١) الأصبهانى، فاستغرق أكثر شعره فيه، من مثل قوله يرثى شاة:

عين إبكى لعنزنا السّوداء ... كالعروس الأدماء يوم الجلاء (٢)

وكان لابن الزيات فرس أشهب لم ير مثله فراهة وحسنا، فوصفت للمعتصم فراهته، فطلبه منه، فلم يستطع رد طلبه، حتى إذا بان عنه رثاه بقصيدة طويلة يقول فيها (٣):

كيف العزاء وقد مضى لسبيله ... عنا فودّعنا الأحمّ الأشهب (٤)

منع الرقاد جوى تضمّنه الحشا ... وهوى أكابده وهمّ منصب (٥)

ومن المراثى الجديدة الموضوع مرثية (٦) محمد بن يسير لبستان له عاثت فيه شاة أفلتت لأحد جيرانه، ودخلت البيت، فعاثت ببعض صحفه وقراطيسه، وفيها يندب روعة هذا البستان قبل أن تعبث به ضارعا إلى ربه بالشكوى من هذه الشاة وأن ينزل بها عقاب أليم.

وقد أكثر الشعراء فى العصر من العتاب والاعتذار متخذين لهما مسالك دقيقة تدل أوضح الدلالة على رهافة الحس وخصب الذهن من مثل قول أبى دلف معاتبا (٧):

ومن لى بالعين التى كنت مرّة ... إلى بها فى سالف الدّهر تنظر

وقول أبى تمام (٨):

لئن كنت أخطو ساحة المحل إننى ... لأترك روضا من جداك وجدولا (٩)

وستلقانا فى تراجمهم معاتبات كثيرة بين الأصدقاء، تعبر عن عواطف


(١) أغانى (طبع الساسى) ٢٠/ ٥٦ وانظر الأوراق للصولى (أخبار الشعراء) ص ١٦٣.
(٢) الأدماء: السوداء.
(٣) ديوان ابن الزيات ص ٦.
(٤) الأحم: الأسود، الأشهب: من الشهبة وهى سواد يصدعه بياض.
(٥) الجوى: حرقة الهوى. منصب: متعب.
(٦) انظر الأغانى (طبعة دار الكتب) ١٤/ ٢٠ وما بعدها. وانظر مرثيته للوح آبنوس فى الأغانى ١٤/ ٤٧.
(٧) العقد الفريد ٢/ ١٦٥.
(٨) الديوان (طبع دار المعارف) ٣/ ١٠٨.
(٩) المحل: الجدب. الجدا: العطاء.

<<  <  ج: ص:  >  >>