للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واصل إذ عرف فيه أنه يدين بالرّجعة أو عودة الإمام المختفى ويكفّر جميع الأمة، وتتابع منه ما يشهد على إلحاده من مثل قوله يشيد بعبادة النار وأنها أفضل من الأرض والطين (١):

الأرض مظلمة والنار مشرقة ... والنار معبودة مذ كانت النار

وتمادى يفضّل إبليس المخلوق من النار على آدم المخلوق من الطين، قائلا (٢):

إبليس أفضل من أبيكم آدم ... فتنبّهوا يا معشر الفجّار

النار عنصره وآدم طينة ... والطين لا يسمو سموّ النار

وتصدّى له صفوان الأنصارى شاعر المعتزلة يردّ عليه وعلى ما رمى إليه من تصويب رأى إبليس فى عدم سجوده لآدم وعصيانه لأمر ربه حين طلب إليه هذا السجود، لأن النار، فى رأيه هو وأضرابه من الزنادقة الذين كانوا يقدسونها، خير من الأرض. وأطال صفوان فى تفضيل الأرض وذكر له العلة التى بعثته على تفضيل النار وأنها ليست إلا حقده وموجدته على الدين الحنيف، قائلا (٣):

كأنك غضبان على الدين كلّه ... وطالب ذحل لا يبيت على حقد (٤)

غير أن بشارا مضى يعلن زندقته لا يزدجر مصرحا بأنه لا يؤمن إلا بالعيان وما شهده الحسن (٥). فهو لا يؤمن بجنة ولا نار ولا ببعث ولا حساب، ويحاول أن يثير الغبار فى وجه واصل وغيره من المعتزلة، فيعلن أنه يعارض ما يذهبون إليه من أن الإنسان يخلق أفعاله، ويقول إنه جبرىّ، بل لا شئ سوى الجبر وتعطيل الإرادة الإنسانية (٦).

وكل ذلك جعل واصل بن عطاء يثور عليه ثورة شديدة، وكان مما زاد هذه الثورة فى نفسه اضطراما أن رآه يكثر من غزل مادىّ آثم يعدّ خطرا أى خطر على شباب البصرة ونسائها (٧)، فهتف به فى بعض خطبه الواعظة داعيا إلى قتله


(١) البيان والتبيين ١/ ١٦ والأغانى ٣/ ١٤٥.
(٢) رسالة الغفران لأبى العلاء (نشر كامل كيلانى) ٢/ ١٣٧.
(٣) البيان والتبيين ١/ ٢٩.
(٤) ذحل: ثأر.
(٥) أغانى ٣/ ٢٢٧.
(٦) نفس المصدر والصفحة.
(٧) أغانى ٣/ ١٨٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>