للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيه حسن شعره وما سمعه على لسانه من قوله (١):

ولها ولا ذنب لها ... حبّ كأطراف الرماح

فى القلب يجرح دائما ... فالقلب مجروح النواحى

وربما كان من دوافع رحلته معه وإغراقه-فما بعد-فى المجون أنه كانت تؤذيه سيرة أمه فى البصرة (٢)، فارتحل معه، وأخذ يعبّ من الخمر كى ينسى أمه، وكان كالمستجير من الرمضاء بالنار، فقد وقع فى حبائل شيطان كبير، غمسه فى كل ما كان يقع فيه من خطايا وآثام هو ورفاقه مجّان الكوفة من أمثال مطيع بن إياس وحماد عجرد، وكأنما كتب القدر عليه أن يصبح ضريبة الفسق والمجون لعصره. وثاب قليلا إلى رشده، فخرج إلى بادية بنى أسد، وظل بينهم حولا كاملا يتزود من ينابيع اللغة (٣)، وعاد، ولكنه ولّى وجهه نحو موطنه، وأخذ يفد على المربد بألواحه للقاء الأعراب الفصحاء (٤)، كما أخذ ينهل من دروس اللغويين ومحاضراتهم وخاصة خلفا الأحمر الذى حثّه على حفظ الشعر القديم وحفظ المئات من أراجيزه، وكان خلف من أشعر رواة عصره وأعلمهم فحمل عنه أدبا واسعا، وفيه يقول فى بعض مراثيه له (٥):

أودى جماع العلم إذ أودى خلف ... من لا يعدّ العلم إلا ما عرف

كنا متى ما ندن منه نغترف ... رواية لا تجتنى من الصّحف

ولم يكتف بالشعر واللغة فقد طلب الفقه والتفسير والحديث حتى قالوا إنه:

«كان عالما فقيها عارفا بالأحكام والفتيا بصيرا بالاختلاف صاحب حفظ ونظر ومعرفة بطرق الحديث، يعرف ناسخ القرآن ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه» (٦).

وطلب أيضا علم الكلام عند النظام وغيره من المتكلمين، ومرّ بنا فى الفصل السابق كيف كان يستظهر مصطلحاتهم فى أشعاره، وبلغ من إتقانه لهذا العلم أن أكّد بعض الرواة أنه بدأ متكلما ثم انتقل إلى نظم الشعر (٧). وقد وصله هذا العلم


(١) ابن المعتز ص ٢٠٨.
(٢) ابن منظور ص ٣٢ وما بعدها.
(٣) ابن منظور ص ١٢.
(٤) الحيوان ٦/ ٢٣٩.
(٥) الديوان ص ١٣٣.
(٦) ابن المعتز ص ٢٠١.
(٧) ابن المعتز ص ٢٧٢ وانظر الحيوان ٤/ ٤٥٠

<<  <  ج: ص:  >  >>