للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقد نسب إليه كثير من شعر معاصريه فى جميع الموضوعات، ويكفى أن نرجع إلى ترجمة النظام فى ابن المعتز، فسنراه ينشد له فى الخمر بيتين وردا فى ديوان أبى نواس (١)، وينشد له قطعة فى مديح الأمين جاءت أيضا فى ديوان أبى نواس (٢)، وإذا تركنا ابن المعتز إلى أمالى المرتضى وجدناه ينسب قطعة دالية فى الغزل إلى النظام وهى مبثوثة فى الديوان (٣) وكأن الرواة حملوا عليه شعر المتكلمين لما رأوا فيه من غوص على المعانى وبعد فى الخيال والوهم. وكان حملهم عليه لأشعار المجّان أوسع مدى، بل إنهم حملوا عليه كثيرا من زهديات أبى العتاهية (٤)

ونحن لا نريد أن نبرئه من الفحش ولا من الغزل الماجن، إنما نزعم أنه حمل عليه كثير فى هذا الباب، ومن ثمّ ينبغى أن لا نتسع فى أحكامنا عليه، وربما كانت أسوأ رواية لديوانه رواية حمزة الأصفهانى، فإنها تمتلئ بالشعر الموضوع عليه، ولذلك لا يصح أن تتّخذ أساسا لدرسه وبحثه. وهو يعتدّ فى كثير من خمرياته وغزلياته باللفظ المونق والأسلوب الرّصين، وله فيها مقطوعات كثيرة تسيل عذوبة ونعومة، غير أن له أيضا وراء ذلك كثيرا من الشعر المهلهل، إذ «كان لا يقوم على شعره ويقوله على السكر كثيرا، فشعره متفاوت، لذلك يوجد فيه ما هو فى الثّريّا جودة وحسنا وقوة وما هو فى الحضيض ضعفا وركاكة» (٥). وكان كثيرا ما يدخل ألفاظا فارسية فى خمرياته بحكم شيوع الفارسية فى الحياة اليومية وبين خلعاء الغلمان المجوس الذين كان يتغزل بهم، ودفعه ذلك إلى استخدام كثير من أساليب العامة الغثّة، مما جعل بعض اللغويين والنحاة يصطدمون به وجعله يكثر من هجائهم. وكان إذا خلص من هزله وعبثه وأفضى إلى حاسته الفنية أتى بالعجب العجاب من روائع الشعر ونادره، وكانت ترفده مواهب فنية أصيلة، جعلته يحكم تصاويره ويجرى فيها كثيرا من الطباقات والمقابلات والجناسات البديعة.

وحين علت سنّ أبى نواس ووخطه الشيب أخذ يفيق أحيانا من سكره مفكرا


(١) انظر ابن المعتز ص ٢٧٢ والديوان ص ٢٦٢.
(٢) ابن المعتز ص ٢٧٢ والديوان ص ١١٦
(٣) أمالى المرتضى ١/ ١٨٨ والديوان ص ١١١.
(٤) انظر الأغانى ٤/ ١١، ٢٩، ٧٠ والديوان على الترتيب ص ٢٠٥، ١٩٤، ٢٠٠.
(٥) ابن المعتز ص ١٩٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>