للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالخمر ياقوتة والكأس لؤلؤة ... فى كفّ جارية ممشوقة القدّ

تسقيك من يدها خمرا ومن فمها ... خمرا فما لك من سكرين من بدّ

وأخذ يجدّف كثيرا ضد الدين الحنيف الذى يحرم الخمر وجملة الآثام التى كان يتردّى فيها، معلنا ذلك إعلانا صريحا بمثل قوله (١):

ترى عندنا ما يسخط الله كلّه ... من العمل المردى الفتى ما عدا الشّركا

وقد يتمادى فى ذلك حتى ليعلن دهريته وأنه لا يؤمن ببعث ولا حساب ولا بجنة ولا نار، وهو فى ذلك كله إنما يتماجن ويتعابث.

وكان كثيرا ما يلمّ بالأديرة، فيصف معاقرته الخمر فيها وسقاتها من الرهبان والراهبات، وقد يلمّ بجانة لمجوسى أو ليهودى. وأتاح له ذلك أن يصف كل تلك البيئات بالإضافة إلى حانات الكرخ ببغداد وعلى ضفاف دجلة، وشعره من هذه الناحية ملئ بتصوير الحياة الاجتماعية لعصره.

وفى خمرياته فحش كثير، وكأنما وجد ليحمل ذنوب عصره وجميع خطاياه.

على أنه ينبغى أن نلاحظ أنه وضع عليه كثير من الشعر فى هذا الباب، إذ تحول إلى ما يشبه شخصية أسطورية، فإذا هو يدخل فى قصص ألف ليلة وليلة، وإذا هو توضع فى فحشه ونوادره كتب مستقلة، بدأها أبو هفان فى كتابه «أخبار أبى نواس» ومضت تتسع من بعده. وليس ذلك فحسب، فإن كثيرا من أشعار المجّان الذين عاصروه أضيفت إليه، وعرف ذلك القدماء، إذ نرى ابن قتيبة ينصّ على أن الخمرية المشهورة: «يا شقيق النفس من حكم» تنسب إليه وهى لوالبة (٢)، ويقول أبو الفرج فى ترجمة الحسين بن الضحاك الخليع إنه «كان إذا شاع له شعر نادر فى الخمر نسبه الناس إلى أبى نواس» (٣) ويقول ابن المعتز: «إن العامة الحمقى قد لهجت بأن تنسب كل شعر فى المجون إلى أبى نواس، وكذلك تصنع فى أمر مجنون بنى عامر، كلّ شعر فيه ذكر ليلى تنسبه إلى المجنون» (٤) ولم تقف المسألة عند العامة، بل تعدتهم إلى الرواة، وأيضا لم تقف عند شعر الخمر والمجون


(١) الديوان ص ٢٥٠.
(٢) الشعر والشعراء ص ٧٧١.
(٣) أغانى ٧/ ١٤٦.
(٤) ابن المعتز ص ٨٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>