للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكلّ شئ لاحق بجوهره ... أصغره متصل بأكبره

الخير والشرّ هما أزواج ... لذا نتاج ولذا نتاج

لكل إنسان طبيعتان ... خير وشرّ وهما ضدّان

والخير والشر إذا ما عدّا ... بينهما بون بعيد جدّا

وكان المانوية يضيفون إلى ذلك إيمانا بأن للعالم إلهين: إله النور وإله الظلمة، وبذلك فارقوا أصحاب الديانات السماوية، ويظهر أن أبا العتاهية لم يكن يجرى فى العقيدة إلى آخر الشوط، إذ كان يدين بالتوحيد على نحو ما يمثل ذلك قوله (١):

فيا عجبا كيف يعصى الإل‍ ... هـ أم كيف يجحده الجاحد

وفى كل شئ له آية ... تدلّ على أنه واحد

وكأنه حاول أن يمزج بين عقيدة الإسلام وعقيدة المانوية، وفى ذلك يقول أحمد بن حرب: «كان مذهب أبى العتاهية القول بالتوحيد وأن الله خلق جوهرين متضادين لا من شئ، ثم إنه بنى العالم هذه البنية منهما. . وكان يزعم أن الله سيردّ كل شئ إلى الجوهرين المتضادين قبل أن تفنى الأعيان جميعا (٢)» وهو يقصد بالجوهرين طبعا النور والظلمة أو الخير والشر.

وابن حرب يضع فى يدنا المفتاح لحل مشكلة أبى العتاهية، فهو ليس مانويّا ثنويا يؤمن بأن للعالم إلهين، كما ظن ابن المعتز (٣) وبعض معاصريه، إنما هو مانوى من نمط جديد، إذ يمزج بين المانوية والإسلام، إلا إذا كان قد موّه عن مانويته الخالصة بادعائه وحدانية ربه. ومر بنا فى الفصل الثانى أن تعاليم مانى كانت مزيجا من الزرادشتية والنصرانية والبوذية، ونرى أبا العتاهية يصور لنا فى بعض شعره الزاهد الناسك فى صورة بوذا المشهورة إذ يقول (٤):

يا من تشرف بالدنيا وزينتها ... ليس التشرّف رفع الطّين بالطين

إذا أردت شريف الناس كلّهم ... فانظر إلى ملك فى زىّ مسكين


(١) أغانى ٤/ ٣٥.
(٢) أغانى ٤/ ٥.
(٣) ابن المعتز ص ٢٢٨، ٣٦٤.
(٤) الديوان ص ٢٧٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>