للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«أنا شرحيل (شرحبيل) بر (بن) ظلمو (ظالم) بنيت ذا المرطول (المعبد) سنة ٤٦٣ بعد مفسد (خراب) خيبر بعم (بعام)». وهو يشير إلى غزو أحد أمراء غسان لخيبر، وقد ألحقت بكلمة ظالم واو وفقا لقواعد النبط فى كتابة أعلامهم المنصرفة، وحذف حرف العلة من كلمة «عام» وهى نفس الصورة المألوفة فى الأقلام الإسلامية الأولى.

ونرى من ذلك أن الخط العربى تكامل مع أوائل القرن السادس كما تكاملت الفصحى نفسها وأخذت شكلها النهائى بشهادة نصوص الشعر الجاهلى التى يرجع أقدمها إلى أواخر القرن الخامس، فمنذ هذا التاريخ تقاربت لهجات القبائل، وأصبحت هناك لغة أدبية عامة، هى الفصحى، ينظم بها شعراء العرب جميعا شعرهم. وتدل دلالات كثيرة على أن هذه اللغة أخذت تنتشر لا بين القبائل الشمالية وحدها، تلك التى عاشت فى الشمال، فقد حملتها إلى الجنوب القبائل التى تسقط فيه، وانجذب كثير من الجنوبيين إلى المحيط اللغوى الشمالى، وخاصة من كانوا يجاورون الشماليين مثل سكان نجران وقبائل الأزد فى جنوبى الحجاز.

ومعنى ذلك أنه كان يعاصر اكتمال الفصحى حركة تعريب قوية فى الجنوب، ولسنا نريد أن نبالغ فى هذه الحركة فإنها إنما كانت تتناول القبائل الشمالية من هذا الجنوب، أما فى داخل اليمن وفى ظفار فقد كانت اللغة الجنوبية لا تزال سائدة كما تدل على ذلك نقوشهم. ونستطيع الآن أن نفهم قول أبى عمرو بن العلاء:

«ما لسان حمير وأقاصى اليمن بلساننا ولا عربيتهم بعربيتنا» (١) فإنه ينص على أن لسان اليمنيين الداخليين ومن يجرى مجراهم هو الذى يخالف لسان العرب الشماليين.

بل لعلنا لا نبعد إذا قلنا إن اليمنيين الداخليين أنفسهم أخذوا فى التعرب، فإن من يرجع إلى وثيقة أبرهة التى دونها سنة ٥٤٣ للميلاد عند ترميمه لسد مأرب (٢) يلاحظ توّا تقاربا فى الكلمات أسماء وأفعالا من اللغة الشمالية، وحقّا تحتفظ الوثيقة بجملة الخصائص اللغوية للغة الجنوبية، لكننا نجد فى تضاعيفها صيغا تشبه الصيغ


(١) طبقات فحول الشعراء لابن سلام (طبعة دار المعارف) ص ١١.
(٢) انظر هذه الوثيقة فى الجزء الأول من المجلد الرابع من مجلة المجمع العلمى العراق وتعليق جواد على عليها.

<<  <  ج: ص:  >  >>