للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وربما بدأ مديحه لمالك بن طوق التغلبى والى الجزيرة منذ هذا التاريخ. ونراه يحاول المثول بين يدى المأمون فى إلمامه بدمشق وثغور الشام أثناء حملاته على الروم، وربما كان أول ما مدحه به قصيدته: (كشف الغطاء فأوقدى أو أخمدى) وفيها يعلن له حبه لآل البيت مشيدا بقضائه على الثورات والفتن بمصر، يقول (١):

وانتاش مصر من اللّتيّا والتى ... بتجاوز وتعطّف وتعمّد

والمعروف أن المأمون زار مصر فى أول سنة ٢١٧ للهجرة، وقد عاد منها إلى دمشق ثم توجه منها إلى ثغر «أذنة» معسكرا بها وجيوشه تتغلغل وراء البيزنطيين، مبددين لجموعهم فى غير جبهة، وتقدّم بنفسه إلى حصن «لؤلؤة» فأناخ به، وجيوشه تغدو وتروح فى آسيا الصغرى منزلة بالروم هزائم ساحقة. ونرى أبا تمام يتغنى بتلك الانتصارات فى ميميته للمأمون تغنيا بديعا بمثل قوله يصف تلك الجيوش واستبسالها فى القتال (٢):

مسترسلين إلى الحتوف كأنما ... بين الحتوف وبينهم أرحام

آساد موت مخدرات مالها ... إلا الصّوارم والقنا آجام (٣)

وقد مضى يشيد بقائدين من قواد هذه الحروب، أما أولهما فخالد بن يزيد ابن مزيد الشيبانى والى أرمينية وقد سجّل له انتصارا حربيّا ماحقا على تيوفيل إمبراطور بيزنطة مصورا كيف ولّى الأدبار وكيف استولى الرعب على جنوده، يقول (٤):

ولما رأى توفيل راياتك التى ... إذا ما اتلأبّت لا يقاومها الصّلب (٥)

تولّى ولم يأل الرّدى فى اتّباعه ... كأن الرّدى فى قصده هائم صبّ

كأن بلاد الروم عمّت بصيحة ... فضمّت حشاها أو رغا وسطها السّقب (٦)


(١) الديوان ٢/ ٤٨. انتاش: خلص.
(٢) الديوان ٣/ ١٥٦.
(٣) مخدرات: ساكنات بيوتها وغاباتها. آجام: جمع أجمة وهى الشجر الكثير الملتف.
(٤) الديوان ١/ ١٩٧.
(٥) اتلأبت: تتابع هزها. الصلب: جمع صليب، ويريد النصارى.
(٦) السقب: ولد الناقة التى عقرتها ثمود فصارت شؤما عليهم وهلاكا لهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>