للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما القائد الثانى فجعفر الخياط، على أنه لم يتوسع فى تصوير حروبه وانتصاراته، ونظن ظنّا أنه لقى فى هذا الحين المعتصم إذ كان المأمون يعهد إليه بقيادة بعض تلك الجيوش الغازية للروم، فقد جاء فى بعض أخباره أن أول لقائه له إنما كان فى المصيصة إحدى ثغور الشام (١)، وفى بعض الروايات أنه إنما لقيه بعد بنائه لسرّ من رأى وفتحه لعمورية فى سنة ٢٢٣ للهجرة غير أنه فى إحدى مدائحه له يقول (٢):

أربيعنا فى تسع عشرة حجّة ... حقّا لهنّك للرّبيع الأزهر (٣)

وواضح أنه يشير إلى سنة تسع عشرة بعد المائتين مما يؤكد أنه كان ببغداد فى تلك السنة، وكأنه شدّ رحاله إليها بعد وفاة المأمون سنة ٢١٨ وقد أخذت تتوثق علاقة بينه وبين إسحق بن إبراهيم المصعبى القائم على شرطة بغداد وأعمالها، ونراه يشيد بانتصاراته على المحمّرة الذين ثاروا بالجبل شمالى إيران لسنتى ٢١٨، ٢١٩ إشادات رائعة (٤). ويظهر أنه لم يلبث أن ارتحل إلى عبد الله بن طاهر والى خراسان، واستقبله هو ومن حوله من الكتّاب والشعراء استقبالا حافلا، ويقال إنه لما أنشده قصيدته فيه: (هنّ عوادى يوسف وصواحبه) نشر عليه ألف دينار. وقد دبّج قصائد كثيرة فى رئيس ديوانه وكتّابه محمد بن الهيثم بن شبانة وأيضا فى كثير من العمّال والقواد هناك مثل محمد بن المستهل ودينار بن عبد الله وحفص بن عمر الأزدى وعلى بن مرّ، ونوّه فى طريقه بكثير من الولاة وخاصة الحسن بن رجاء والى فارس. وفى عودته نزل بهمذان على أبى الوفاء بن سلمة، وتصادف أن حبسه الثلج عنده أشهرا، فأكبّ على خزانة كتبه يؤلف ويصنّف مجاميع من الشعر أشهرها كتاب الحماسة وهو مطبوع مرارا، وطبع له شرحان: شرح التبريزى وشرح المرزوقى، وهو يصوّر لنا من بعض الوجوه دقة ذوق أبى تمام كما يصور ثقافته الواسعة بالشعر العربى ودرره النفيسة فى القديم والحديث.

وعاد إلى «سرّ من رأى» وأخذ يتغنى بانتصارات القواد على بابك الخرّمى وكان قد ثار منذ سنة ٢٠١ للهجرة ونازله كثيرون من قوّاد المأمون، وما توافى


(١) الصولى ص ١٤٤.
(٢) الديوان ٢/ ١٩٣.
(٣) لهنك: لغة فى لإنك.
(٤) الديوان ٣/ ١٦٨، ٢٦٤، ٢٩٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>