للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مهما كلفها من جهد مضن ومهما لقيت من خطوب، وهو يعرض ذلك فى ثنايا حديثه إلى من شغفن قلبه مصورا بعد همته وجلده وقوة احتماله للمحن، حتى لكأنه يبذّ كل سابق ولاحق فيما حاول-ويحاول-من اكتساب المجد. وله فى ذلك طرائف كثيرة، كقوله لإحدى صواحبه، وقد تعمقها الأسى لشيبه المبكر (١):

يومى من الدهر مثل الدهر مشتهر ... عزما وحزما وساعى منه كالحقب

فأصغرى أنّ شيبا لاح بى حدثا ... وأكبرى أننى فى المهد لم أشب

ولا يؤرّقك إيماض القتير به ... فإن ذاك ابتسام الرأى والأدب (٢)

لا تنكرى منه تخديدا تجلّله ... فالسّيف لا يزدرى أن كان ذا شطب (٣)

وعلى هذا النحو يملأ شعره نفس قارئه فتوة وقوة، لا بما يصوره من بطولة ليوث الغاب من العرب فحسب، بل أيضا بما يصوره من بطولة نفسه واقتحامه للصعاب وما ظفر به من مجد فنى، وقد دأب على وصف أشعاره بالغرابة وباللآلئ الفريدة، يقول (٤):

مفصّلة باللؤلؤ المنتقى لها ... من الشّعر إلا أنه اللّؤلؤ الرّطب

وهى حقّا لآلئ تومض بالفكر الدقيق وبألوان البديع الزاهية، لآلئ سوّى منها عقود قصائده وقلائد شعره.


(١) الديوان ١/ ١١٦.
(٢) يؤرقك: يسهدك. إيماض: لمعان. القتير: ابتداء الشيب وأوائله.
(٣) التخديد: الطرائق التى تبدو فى الخد والجبين مع تقدم السن. شطب السيف: طرائقه التى تظهر فيه بسبب شحذه.
(٤) الديوان ١/ ٢٠٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>