وإذا تحولنا إلى العصر العباسى وجدنا هذا الشعر يأخذ فى الضعف، لسبب مهم هو ضعف الأحزاب التى يعبر عنها، أما حزب الزبيريين فكان قد سقط نهائيّا منذ سنة ٧٢ للهجرة، ولم تقم له بعد ذلك قائمة، وأما حزب الخوارج فإن معاركه مع الأمويين كانت قد طحنته طحنا ولم تسبق منه إلا بقايا ضعيفة، كانت كلما تجمعت وأوقدت ثورة قضى عليها قائد عباسى قضاء مبرما، وبذلك سقط هذا الحزب هو الآخر لا من حيث جهاد الدولة وحربها فحسب، بل أيضا من حيث الشعر والشعراء. أما حزب الشيعة فقد ظل حيّا فى كثير من النفوس، وظلت ثوراتهم تتوالى من حين إلى حين وظل كثير من أئمتهم وأعلامهم يقتلون ويسجنون إذ كانوا يزعمون أنهم أولياء الخلافة الأقربون وأصحابها الشرعيون، وأن العباسيين اغتصبوها منهم اغتصابا. وكان العباسيون كما أسلفنا فى غير هذا الموضع قد حولوا إلى أسرتهم دعوة الكيسانية وأصبحوا أوصياءها، ومضوا ينظمون الدعوة ضد بنى أمية، حتى قوّضوا حكمهم، وأصبحوا ولاة الأمر وأصحاب السلطان، وأخذوا يرصدون كل حركة للعلويين، لا تأخذهم فيهم شفقة ولا رحمة. حتى إذا كان المأمون ورأى أن يوصى بالعهد من بعده لعلوى هو على الرضا بن موسى الكاظم ثار عليه بيته، واضطرّ إلى الانصراف عن تلك الفكرة كما مر بنا.
وعلى هذا النحو ظل الشيعة فى العصر العباسى الأول يطالبون بأن ينزل العباسيون عن الحكم ويردوا الأمر إلى نصابه، وتبعهم فى تقرير نظريتهم كثير من الشعراء، غير أنهم كانوا يخافون بطش العباسيين، فكانوا ينظمون ما ينظمون سرّا وقلما أعلنوه، بل لقد مضى فريق منهم يمدح الخلفاء تقيّة ويبالغ فى مديحه، حتى ليصبح كأنه من دعاتهم. وكثر حينئذ من يدعون لهم كثرة مفرطة، فقد كانت الدنيا بيدهم وكنوز الدولة فى حجورهم فسال لها لعاب الشعراء ومضوا يدافعون عن حق العباسيين فى الخلافة ويردّون على العلويين منكرين حقهم فيها، مستلهمين رسالة المنصور إلى محمد بن عبد الله الملقب بالنفس الزكية والتى عرضنا لها فى الفصل الأول، وما ذكره فيها من أن أبناء البنت لا يحوزون الميراث، إنما يحوزه العم وأبناؤه كما قرر الإسلام. ومن الغريب أنه لم يرتفع فى هذه الأثناء صوت ثالث يقرّر أن