للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخلافة فى منشئها كانت تقوم على استشارة الأمة فى تولية الصالح من زعمائها، فهى ليست لقمة تستأثر بها أسرة خاصة، بل هى نظام يقوم على الشورى، هدفه الأساسى مصلحة الجماعة، وهى شركة بين أفرادها جميعا يتولاها أكفؤهم سواء أكان من بيت هاشمى أم لم يكن، وسواء أكان قرشيّا أم كان غير قرشى.

وكان المفروض أن يجهر بذلك الفقهاء والمتكلمون، وكأنما لم يتبينوا حينئذ الطريق الصحيح لحكم الأمة ومصلحتها العامة، فمضوا يصانعون العباسيين مذعنين لهم خاضعين.

وإذا مضينا نتعقب من كانوا يمدحون الخلفاء العباسيين لهذا العصر وجدناهم أكثر من أن يحصوا ويستقصوا، وإنما يهمنا منهم من كانوا يقفون مدافعين عن نظريتهم فى الخلافة مناضلين عنهم خصومهم من الشيعة العلويين، ولا بد أن نلاحظ منذ أول الأمر أن أصحاب مذهب الكيسانية كانوا يوالون العباسيين، ولذلك لا نعجب إذا رأينا السيد الحميرى يكثر من مديحه لهم، وقد مدح طويلا أبا العباس السفاح والمنصور والمهدى (١). ويلمع اسم أبى دلامة فى بلاطهم جميعا، وكانت فيه دعابة جعلتهم يتخذونه لهم نديما، ومن أوائل من استظهروا فى أشعارهم النضال عن سلطان العباسيين أبو نخيلة، وهو من محضرمى الدولتين: الأموية العباسية فى مديح السفاح إذ يقول (٢):

حتى إذا ما الأوصياء عسكروا ... وقام من تبر النبىّ الجوهر

أقبل بالناس الهوى المشهّر ... وصاح فى الليل نهار أنور

وواضح أنه يجعل العباسيين أوصياء على الخلافة، فليس العلويون أصحابها إنما أصحابها العباسيون الذين استخلصوا لها كما يستخلص الجوهر. وقد مدح المنصور كثيرون فى مقدمتهم بشار وأبو دلامة نديمه والسيد الحميرى، ونرى أبا نخيلة يمدحه طويلا، وقد روى له فيه قطعة من أرجوزة يغريه فيها بخلع ولى عهده عيسى بن موسى وعقد العهد لابنه محمد المهدى، وفيها يقول (٣):


(١) انظر ترجمته فى الجزء السابع من الأغانى طبعة دار الكتب المصرية.
(٢) أغانى (طبعة الساسى) ١٨/ ١٤٩ وما بعدها.
(٣) أغانى ١٨/ ١٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>