يتألّق إذ قرّبه منه السفّاح، وكانت فيه دعابة جعلته خفيف الظل على قلبه فاتخذه هو ومن وليه من الخلفاء نديما لهم يطرفهم بنوادره. ويقول أبو الفرج:«كان فاسد الدين ردئ المذهب مرتكبا للمحارم مضيعا للفروض مجاهرا بذلك، وكان يعلم هذا منه ويعرف به فيتجافى عنه للطف محله». ولعل أبا الفرج بنى هذا الحكم على ما ساقه من أخباره إذ ذكر أن المنصور بلغه أنه معتكف على الخمر ولا يحضر صلاة ولا مسجدا، فأمره بلزوم الجماعة فى مسجد قصره، وطال عليه ذلك فاستعفاه بقصيدة يقول له فيها:
ألم تعلما أن الخليفة لزّنى ... بمسجده والقصر مالى وللقصر!
وما ضرّه والله يغفر ذنبه ... لو أنّ ذنوب العالمين على ظهرى
وضحك المنصور حين قرأ القصيدة وأعفاه من الحضور معه. وروى أبو الفرج فى موضع ثان أن المنصور أمره بالقيام معه فى ليالى شهر رمضان. وأنه شقّ عليه ذلك فكتب إلى ريطة زوجة ابنه المهدى شعرا يضحكها به ويستشفعها عند عمها المنصور. وفى خبر ثالث أن المنصور سجنه لسكره. وقد يكون فيه لهو وميل للمجون. أما أن يكون فاسد الدين مخلا بالفروض للخبرين الأولين وما يشبههما فإن ذلك يكون مبالغة فى الحكم إذ كان يذهب بذلك إلى الدعابة شأنه فى دعاباته الأخرى التى رواها أبو الفرج وغيره.
ويروى أنه انقطع فى بعض أيامه إلى روح بن حاتم بن قبيصة المهلبى. أما فى عامة أيامه فكان ملازما للخلفاء إذ كانوا يتخذونه نديما لهم يضحكهم بنوادره.
ويقال إنه لم يصل إلى أحد من الشعراء ما وصل إليه من المنصور خاصة، وكان أول ما جعله يسنى له الجوائز داليّته التى مدحه بها حين قتل أبا مسلم الخراسانى وفيها يقول:
أبا مجرم ما غيّر الله نعمة ... على عبده حتى يغيّرها العبد
أفى دولة المهدىّ حاولت غدرة ... ألا إن أهل الغدر آباؤك الكرد
وواضح أنه يلقب المنصور فى البيت الأخير بالمهدى، مستعيرا ذلك من الشيعة وما يردّدونه فى آثارهم عن صفاته وأنه المنقذ الذى يخلّص الناس من بلاياهم