للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويملأ الأرض عدلا بعد أن ملئت ظلما ويهدى الناس إلى الطريق السّوىّ المستقيم، وتذهب بعض الروايات السنية إلى أن الاسم الحقيقى للمهدى إنما هو محمد، ولعل المنصور لاحظ ذلك حين لقب ابنه محمدا بالمهدى، وكأنه كان يريد أن يوحى للناس بأنه المهدى المنتظر. على أن من الشعراء من مضى مثل أبى دلامة يلقبه هو نفسه بهذا اللقب، وكان ما يزال يرفع من شأنه هو وأسرته درجات فوق العالمين على شاكلة قوله:

لو كان يقعد فوق الشمس من كرم ... قوم لقيل اقعدوا يا آل عبّاس

ثم ارتقوا فى شعاع الشمس وارتفعوا ... إلى السماء فأنتم سادة الناس

وكان يجيد الرثاء كما يجيد المديح وقد بكى السفاح طويلا. ولما توفى المنصور رثاه بقصيدة جيدة جمع فيها بين الحزن عليه والفرحة بتولية المهدى، والطريف أنه جمع المعنيين فى كل بيت من أبياتها على نحو ما نرى فى قوله:

عينان: واحدة ترى مسرورة ... بإمامها جذلى وأخرى تذرف

تبكى وتضحك مرة ويسوءها ... ما أبصرت ويسرّها ما تعرف

وله نوادر كثيرة ترويها كتب الأدب، منها ما يتصل بالخلفاء ونسائهم، ومنها ما يتصل بزوجته وبأولاده، وكان يعرف كيف يحيل بعض نوادره شعرا، إذ كان الشعر يتدفق على لسانه تدفقا، ويروى أنه بشّر ببنت له، فقال توّا مداعبا ومتفكها:

فما ولدتك مريم أمّ عيسى ... ولم يكفلك لقمان الحكيم

ولكن قد تضمّك أمّ سوء ... إلى لبّاتها وأب لئيم

وله بجانب ذلك أشعار فى وصف الشراب والرياض، وانقطع بعد المنصور إلى المهدى فكان يصله بالجوائز السنية ويستطيب مجالسته ونوادره إلى أن توفى سنة ١٦١ للهجرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>