وكان يمدح أيضا الفضل بن الربيع وزير الرشيد. ويظهر أن الفضل البرمكى أكثر من برّه ونواله عليه حتى حسده الشعراء وفى مقدمتهم صديقه أبو العتاهية، مما جعل كلا منهما يلمز صاحبه بعض اللمز، أما أبو العتاهية فوصفه بالحرص والشح فى بيته الذى أنشدناه فى الفصل السابق:
تعالى الله يا سلم بن عمرو ... أذلّ الحرص أعناق الرجال
وأما سلم فاتهمه بأنه كاذب منافق فى زهده وتقشفه، وكان قد تحول إلى الزهد على نحو ما أسلفنا، ومع ذلك كان لا يزال يمدح ويستجدى وفى ذلك يقول له سلم:
ما أقبح التّزهيد من واعظ ... يزهّد الناس ولا يزهد
لو كان فى تزهيده صادقا ... أضحى وأمسى بيته المسجد
وفى أخباره ما يدل على أنه كان يهاجى والبة بن الحباب، غير أنه لم يكن يحسن الهجاء. ويظهر أنه كان يلم بشئ من اللهو والمجون فى مطالع حياته، غير أنه لم تتقدم به السّنّ حتى التزم جانب الوقار. وشعره يؤكد أن المديح لم يترك فيه بقية لفن آخر سواه. ولم يكن شحيحا كما وصفه أبو العتاهية، بل كان كريما سمحا إذ يقول ابن المعتز إنه كان ينفق ما يأخذه من الأموال على إخوانه وغيرهم من أهل الأدب. وفى أخباره ما يدل على أنه كان يتأنق تأنقا شديدا فى ملبسه ومظهره وأنه كان يحيا حياة مترفة ناعمة. وأشعاره مليئة بالرشاقة والعذوبة والنعومة، وله فى الهادى مدحة اشتهرت فى عصره وبعد عصره، إذ بنى شطورها من تفعيلة واحدة على هذا النمط:
موسى المطر عدل السّير
وقد جعلها على فافيه واحدة. وهى تفيض بالخفة والرشاقة، ومن حكمه البديعة: