والحق أنه كان خالصا للعباسيين، وقد مضى يمدح الهادى بعد المهدى مضفيا عليه نفس صفات القدسية والجلال من مثل قوله:
وجدناك فى كتب الأوّلي ... ن محيى النفوس وقتّالها
لقد جعل الله فى راحتيك ... حياة النفوس وآجالها
وله يقول من أخرى:
لولا هداكم وفضل أولكم ... لم تدر ما أصل دينها العرب
ولم يكد الهادى يسمع منه هذا البيت حتى استخفه الطرب، وأمر له بثلاثمائة ألف درهم. وولى بعده الرشيد فوالى فيه سلم مدائحه، ووالى عليه هرون عطاياه الجزيلة، ومن قوله فيه حين جعل ولاية العهد فى ابنه الأمين:
قد بايع الثقلان فى مهدى الهدى ... لمحمد بن زبيدة ابنة جعفر
ويقال إن زبيدة وصلته من أجل هذه القصيدة بمائة ألف درهم. ولم يلبث الرشيد أن عقد العهد من بعد الأمين للمأمون فنوّه به كما نوّه بأخيه. وجذبه البرامكة إليهم، فأشاد بهم طويلا، ومن رائع قصائده فيهم لاميته التى مدح بها يحيى ابن خالد وفيه يقول:
بلوت الناس من عجم وعرب ... فما أحد يسير كما تسير
فكلّ الأمر من قول وفعل ... إذا علقت يداك به صغير
وفى كفّيك مدرجة المنايا ... ومن جدواهما الغيث المطير
وأكثر من مديح الفضل بن يحيى، حتى كاد ينقطع له، ومن بارع مديحه فيه قوله مصورا شجاعته وكرمه:
له يومان: يوم ندى وبأس ... كأن الدهر بينهما أسير
وقوله:
أقام الندى والجود فى كل منزل ... أقام به الفضل بن يحيى بن خالد