للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ووضع أبو العباس السفاح السيف فيهم حتى أتى عليهم، ويقال: بل شدخوا بالأعمدة. وصنع صنيعه بجموعهم فى الشام والحجاز والبصرة أعمامه: عبد الله وداود وسليمان. وتوفى السفاح وخلفه المنصور فاستقر فى نفوس زعماء العلويين أن الخلافة قد أفلتت من أيديهم وأن العباسيين لن يدعوا لهم منها شيئا. وما توافى سنة ١٤٥ للهجرة حتى يثور بالمدينة محمد بن عبد الله بن الحسن الملقب بالنفس الزكية. وهى-كما أسلفنا فى الفصل الأول-أول ثورة للزيدية، ونرى سديفا يقف مع أخيه إبراهيم بن عبد الله حين ثار بالبصرة، ناظما كثيرا من الأشعار ضد المنصور، مما يؤكد أنه كان يعتنق مذهب الزيدية، ومن قوله فى بعض تلك الأشعار، مخاطبا النفس الزكية (١):

إنا لنأمل أن ترتدّ ألفتنا ... بعد التباعد والشحناء والإحن

وتنقضى دولة أحكام قادتها ... فينا كأحكام قوم عابدى وثن

فانهض ببيعتكم ننهض بطاعتنا ... إن الخلافة فيكم يا بنى الحسن

وطبيعى أن يذيقه المنصور وبال تحريضه على الثورة، إذ يقال إنه أمر بدفنه حيّا. ومن شعراء الزيدية وهذه الثورة هرون بن سعد العجلى، وقد ولاّه إبراهيم ابن عبد الله فى أثنائها واسطا، وبمجرد قضاء المنصور عليها توفى وهو يهم بدخول البصرة (٢)، وفى عيون الأخبار له قصيدة يرد فيها على غالية الشيعة من الإمامية ردّا عنيفا، ناقضا ما زعمه رافضتهم من غلو فى تصور جعفر الصادق إمامهم، حتى ليجعله بعضهم إلها وبعضهم رسولا، مع ما ينحلونه من علم الغيب وأنه دوّن كل ما يحتاج إليه من هذا العلم فى جلد يسمونه جفرا، يقول فى تضاعيف قصيدته (٣):

ألم تر أن الرّافضين تفرّقوا ... فكلّهم فى جعفر قال منكرا

فطائفة قالوا إله ومنهم ... طوائف سمّته النبىّ المطهّرا

فإن كان يرضى ما يقولون جعفر ... فإنى إلى ربّى أفارق جعفرا


(١) مقاتل الطالبيين (نشر عيسى الحلبى). ص ٤٧٦ والعمدة لابن رشيق ١/ ٤٥.
(٢) انظر مقاتل الطالبيين ص ٣٣١ وما بعدها وص ٣٥٩ وما بعدها.
(٣) عيون الأخبار ٢/ ١٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>