للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن عجب لم أقضه جلد جفرهم ... برئت إلى الرحمن ممن تجفّرا

وكانت البصرة بيئة هذه النحلة، ولعل ذلك ما جعل بعض المعتزلة يعتنقها، من مثل بشر بن المعتمر، وربما كان أكبر دليل على زيديته أننا نراه يهاجم غالية الإمامية على نحو ما هاجمهم هرون بن سعد العجلى (١). ومن شعراء الزيدية غالب ابن عثمان الهمدانى، وله مراث فى النفس الزكية وأخيه إبراهيم تقطر أسى وحزنا عميقا (٢). وثار، كما مر بنا فى الفصل الأول، لعهد الهادى الحسين بن على الحسنى فى مكة ونازله جيش عباسى فى «فخ» فقتل هو وكثيرون من أهله وتركوا فى العراء للسباع والعقبان، مما جعل الشعراء من الزيدية يندبونهم آحرّ ندب وأشجاه (٣). ويتحول نشاط هذه النحلة إلى خراسان والطالقان (٤)، ويتكاثر الثائرون والمقتولون من أئمتها فى تلك البلاد النائية. ومن أهم ثورات الزيدية ثورة (٥) ابن طباطبا بالكوفة لأول خلافة المأمون، ويقضى عليها قضاء مبرما وطبيعى أن يكثر شعراء الزيدية من رثاء المقتولين فى هذه الثورات والتفجع عليهم، مما نقرؤه فى كتاب مقاتل الطالبين لأبى الفرج الأصبهانى مفصلا أوسع تفصيل.

ولم يكن الإمامية بفرقهم المختلفة يشهرون السيوف فى وجوه بنى العباس، فقد جعلوا جميعا التقية مبدأ أساسيّا فى نحلهم المختلفة، واتخذوا الدعوة السرية وسيلتهم فى جمع الناس من حولهم بالكوفة، واجتمع حولهم فعلا خلق كثير يبطنون غير ما يظهرون ويسرون غير ما يعلنون، وكأنهم كانوا يؤمنون جميعا بأن الثورة على العباسيين لم يحن موعدها. وقد تفرقوا شيعا كثيرة، ومرّ بنا فى الفصل السابق أن لمعدان الأعمى قصيدة صنف فيها طوائف الإمامية الرافضة والغالية وطوائف الزيدية وعقائدهم جميعا، مقدما عليها نحلة فرقته الشّميطية الغالية، ونراه ياوم زيد بن على زين العابدين لعدم أخذه بمبدأ التقية، إذ سنّ لأصحابه من بعده إعلان ثورتهم وامتشاقهم للحسام فى وجه الحكام مما جعل الخلفاء العباسيين يوالون فيهم قتلهم


(١) الحيوان ٦/ ٢٨٤.
(٢) مقاتل الطالبيين ص ٣٠٤، ٣٨٤ وما بعدها.
(٣) نفس المصدر ص ٤٥٨ وما بعدها.
(٤) الملل والنحل الشهرستانى (طبع لندن) ص ١١٧.
(٥) انظر فى هذه الثورة وأنها زيدية مقاتل الطالبيين ص ٥١٨ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>