وقد ولد لأبويه فى البصرة سنة ١٠٥ للهجرة، وكانا من إباضيّة الخوارج، فنشأ يسمع منهما سبّ على بن أبى طالب، بل تكفيره وتكفير بعض الصحابة، وعبثا كان يراجعهما. ولم يلبث أن أوغل فى التشيع لعلى وآله، ويظهر أنه وقع لبعض أصحاب مذهب الكيسانية القائلين بإمامة محمد بن الحنيفية والمعتنقين لنظرية الغيبة والرجعة، فإذا هو يصبح كيسانيّا لحما وروحا، ولا ندرى هل حدث له ذلك فى البصرة أو حدث فى الكوفة فقد أقام بها ردحا من الزمن. وأيّا كان فقد اعتنق المذهب مبكرا وأصبح شيعة لأصحابه منذ أواخر عصر بنى أمية، حتى إذا أظلّه العصر العباسى تمشت فى نفسه الفرحة لانتصار الهاشميين وتقويض حكم الأمويين، وأخذ يستبشر بقيام الدولة العباسية، وكأنه رأى فيها انتصارا لمذهبه الشيعى، إذ كان أبو هاشم بن محمد بن الحنفية قد أوصى من بعده، كما مرّ بنا، لمحمد بن على العباسى، وأوصى محمد للسفاح ومن ثمّ كانت إمامته وخلافته هو ومن تلاه من العباسيين صحيحة فى نظر الكيسانية أو على الأقل جمهورهم الذى كان يتبع فرقة أبى هاشم. وطبيعى لذلك أن نجد السيد الحميرى الكيسانى يهلل لانتصار العباسيين حتى ليبادر أبا العباس السفاح حين خطب فى الكوفة خطبته المشهورة التى أخذ على إثرها البيعة من الناس قائلا:
دونكموها يا بنى هاشم ... فجدّدوا من عهدها الدّارسا
قد ساسها قبلكم ساسة ... لم يتركوا رطبا ولا يابسا
ولست من أن تملكوها إلى ... مهبط عيسى فيكم آيسا
وواضح أنه يهنئه بالخلافة لامزا الأمويين الذين ملأوا الأرض ظلما وجورا، ويقول إنها لن تزال فيهم إلى هبوط عيسى بأخرة من الدنيا، فهو لا يفكر فى زوالها عنهم، بل هو يراها لهم خالصة حتى تفنى الأرض ومن عليها، وتوفّى السفاح
(١) المؤتشب: غير الصريح فى نسبه. وذو رعين: من ملوك اليمن، وذو يزن: أبناء ذى يزن أحد أمراء اليمن الأقدمين.