للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد مضى فى القصيدة ينكر موقف أبى بكر وعمر من دعوى فاطمة إرث «فدك» زاعما أنهما ظلماها، ومطالبا بمن يثأر لها من ظلمتها، يقول:

مظلومة والنبىّ والدها ... تدير أرجاء مقلة حافل

ألا مساعير يغضبون لها ... بسلّة البيض والقنا الذابل (١)

وكانت قد حدثت جفوة بينه وبين أستاذه العتابى، فأسخط الرشيد عليه، غير أنه عاد فعفا عنه وأوسع له فى مجالسه، وانتهز العتابى منه يوما فرصة، فذكر له حقيقة النمرى وأنه شيعى غال فى تشيعه، وأنشده اللامية الآنفة وأشعارا أخرى من مثل قوله:

آل الرسول ومن يحبّهم ... يتطامنون مخافة القتل

أمن النصارى واليهود وهم ... من أمّة التوحيد فى أزل (٢)

فاستشاط الرشيد غضبا، وبعث إلى الرّقة، وكان مقيما بها، من يقتله، غير أن رسوله وجد جنازته تستقبله، فانكفأ راجعا إلى الرشيد، فأعلمه خبره.

وممن مدحهم وأشاد بهم يزيد بن مزيد الشيبانى، وكان من مدّاح الفضل ابن يحيى البرمكى كما مرّ بنا، وقد بكاه حين نكبه الرشيد هو وأباه وأخاه جعفرا لسنة ١٨٧، وفى ذلك ما يدل على أن وفاته كانت بعد نكبتهم. وواضح مما أنشدناه من أشعاره أنه كان يعنى عناية شديدة بانتخاب ألفاظه وانتقاء معانيه، وكان ما يزال يجهد فكره وخياله حتى يأتى بالطرائف النادرة من مثل قوله:

ولقد تبيت أناملى ... يجنين رمّان النّحور

ومن المحقق أنه لم يكن يتعلق بلهو ولا مجون ولا خمر شأن كثير من معاصريه، وأنه كان يكتفى من ملاهى عصره بالسماع إلى الغناء واجدا فيه ما يبتغى من لذة ومتاع.


(١) مساعير: جمع مسعار، وهو موقد الحرب البيض: السيوف. الذابل: الرقيق الحاد.
(٢) أزل: ضيق وشدة.

<<  <  ج: ص:  >  >>