لا تأخذا بظلامتى أحدا ... قلبى وطرفى فى دمى اشتركا
وغنى بالأبيات بعض المغنين بين يدى الرشيد، فطرب، وسأل عن ناظمها، فقيل له دعبل، فأمر بإحضاره وأرسل إليه بعشرة آلاف درهم وخلعة من الثياب، وسار دعبل إليه، وأنشده بعض شعره فاستحسنه وأجرى عليه رزقا سيّا، ولم يلبث أن ارتحل إلى خراسان وواليها العباس بن جعفر الخزاعى (١٧٣ - ١٧٥ هـ) فأكرمه وولاه على سمنجان إحدى بلاد طبرستان. وعاد إلى بغداد ونزل الكرخ حيث اللهو والقصف، منشدا مثل قوله:
إنما العيش خلال خمسة ... حبّذا تلك خلالا حبّذا
خدمة الضيف وكأس لذّة ... ونديم وفتاة وغنا
وتؤثر له فى الخمر بعض الأشعار، وله بجانبها غزليات قليلة، وهو يعنى فيها ببعض فنون البديع على شاكلة قوله مطابقا:
دموع عينى لها انبساط ... ونوم عينى به انقباض
وليس فى ديوانه مديح للرشيد ولا للبرامكة مما يدل على أنه ظل بعيدا عن القصر وأهله ووزرائه، وحقّا تروى له بعض أبيات فى البرامكة حين نكبهم الرشيد، ولكنها لا تدخل فى باب الرثاء إنما تدخل فى باب العظمة والاعتبار. وقد ظل لا يلم بالقصر فى عصر الأمين، ونراه يخرج إلى الحج فى سنة ١٩٨ للهجرة، ولا يعود إلى بغداد، بل يرتحل إلى مصر وواليها المطلب بن عبد الله الخزاعى (١٩٨ - ٢٠٠ هـ) وفيه يقول:
زمنى بمطّلب سقيت زمانا ... ما كنت إلا روضة وجنانا
كلّ النّدى إلا نداك تكلّف ... لم أرض غيرك كائنا من كانا
أصلحتنى بالبرّ بل أفسدتنى ... وتركتنى أتسخّط الإحسانا
ولم يكتف المطلب بما أغدق عليه من البر والنوال، فقد ولاّه على أسوان،