وسرعان ما شعر فى هذا البلد البعيد عن بغداد بوحشة شديدة، وعبث حنينه إليها بقلبه، فإذا هو ينظم أبياته المشهورة فى الحنين إلى الوطن وقد أنشدناها فى الفصل الرابع.
ولم تلبث الأمور أن فسدت بينه وبين المطلب، فإذا هو يهجوه هجاء مقذعا، كافرا يده عنده، وكان قد ولى الموصل قبل ولايته على مصر، فقال فى بعض هجائه له:
تعلّق مصر بك المخزيات ... وتبصق فى وجهك الموصل
وأخذ يكثر من هجائه، موليا وجهه نحو بغداد، وتبعه المطلب معزولا عن مصر، وتلطّف له فكفّ لسانه عنه.
وأتاه نبأ عهد المأمون لعلى الرضا بالخلافة من بعده لسنة ٢٠١ وكان المأمون لا يزال بخراسان فارتحل إليهما ولم يكد يمثل بين أيديهما حتى أنشد تائيته المشهورة.
مدارس آيات خلت من تلاوة ... ومنزل وحى مقفر العرصات
وقد صور فيها ما نزل بالعلويين من كوارث فى «كربلاء» و «فخ» نائحا على قتلاهم وخاصة الحسين نواحا مؤثرا ويفيض فى حرمانهم من الاستمتاع بحقهم فى الخلافة آملا فى خروج مهديهم المنتظر الذى يملأ الأرض عدلا بعد أن ملئت ظلما وجورا، وفيها يقول:
ملامك فى آل النبىّ فإنهم ... أحبّاى ما عاشوا وأهل ثقاتى
فيا ربّ زدنى من يقينى بصيرة ... وزد حبّهم يا ربّ فى حسناتى
ألم تر أنى من ثلاثين حجّة ... أروح وأغدو دائم الحسرات
أرى فيئهم فى غيرهم متقسّما ... وأيديهم من فيئهم صفرات (١)
ولولا الذى أرجوه فى اليوم أو غد ... تقطّع قلبى إثرهم حسرات
خروج إمام لا محالة خارج ... يقوم على اسم الله والبركات
(١) الفئ: الخراج وغنائم الحرب، يريد أن العلويين سلبوا حقهم فى سياسة الدولة والقيام على شئون المال. صفرات: خالية.