يميّز فينا كلّ حقّ وباطل ... ويجزى على النّعماء والنّقمات
وأعجب بالقصيدة المأمون وعلى الرضا، فأعطاه أولهما عشرة آلاف درهم من دراهم كان قد ضربها باسم الرضا، أما الرضا فخلع عليه حلّة من ثيابه، ويقال إن أهل مدينة «قم» الشيعية اشتروا منه الحلة بثلاثين ألف درهم، كما اشتروا الدراهم المضروبة باسم الرضا، كل درهم بعشرة. ويقول ابن المعتز إن أهل هذه المدينة قسّطوا له كل سنة خمسين ألف درهم. وتطورت الظروف سريعا فتوفى على الرضا بطوس سنة ٢٠٣ وهو فى طريقه مع المأمون إلى بغداد، ودفن بها، بجانب قبر هرون الرشيد، ولم يكد النعى يبلغ دعبلا، حتى قال:
قبران فى طوس خير الناس كلّهم ... وقبر شرّهم هذا من العبر
ما ينفع الرّجس من قرب الزكىّ ولا ... على الزّكىّ بقرب الرّجس من ضرر
ولم يكن الرشيد رجسا كما يقول، فقد كان طهرا، إذ كان يحج سنة ويغزو سنة على نحو ما هو معروف فى تاريخه، وقد أنزل بالروم هزائم ساحقة، وليس ذلك فحسب، فإن له يدا على دعبل إذ استقدمه من موطنه وفرض له راتبا سنيّا كما مرّ بنا، ولكن كأنما ينطوى دعبل على جحود غريب، حتى ليطعن كل من قدم له صنيعا. وله شعر شيعى كثير، وقد أكثر فيه من الحديث عن فضائل على بن أبى طالب، كما أكثر فيه من بكاء الحسين ورثائه بمثل قوله:
رأس ابن بنت محمد ووصيّه ... يا للرّجال على قناة يرفع
والمسلمون بمنظر وبمسمع ... لا جازع من ذا ولا متخشّع
وهو يبدو فى شعره الشيعى إماميّا وقد تشكك أبو العلاء فى تشيعه، فقال إنه لم يكن صادقا فيه وإنه إنما كان يريد التكسب به (١)، ولعله محق فى تشككه، لأن مثل دعبل المنطوى على كره الناس لا يمكن أن يخلص لآل البيت، إلا أن يكون وراء ذلك باعث يدفعه لأن يقول ما لا يعتقده، وكأن أموال «قم» هى التى دفعته لما كان ينظم من أشعار شيعية، كما دفعته إلى هجاء الرشيد وغيره من الخلفاء،