للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وظل يرميه بسهام هجائه حتى توفى، وخلفه ابنه الواثق، فأسرع يطلق لسانه فيه، جامعا فى هجائه بينه وبين أبيه بمثل قوله:

خليفة مات لم يحزن له أحد ... وآخر قام لم يفرح به أحد

وروى الرواة له فى المتوكل بيتا مقذعا واحدا، وفيه يهجوه باستيلاء مواليه من الجند الأتراك على الحكم حتى أصبح كأنه لعبة فى أيديهم، بل أصبح لهم عبدا، يقول:

ولست بقائل قذعا ولكن ... لأمر مّا تعبّدك العبيد

ولم يقف عند هجاء الأفراد، فقد استعاد هجاء العصبيات القديم، وكانت قصيدة الكميت الشيعى فى هجاء أصوله القحطانيين تؤذيه فعمد إلى نقضها بقصيدة نونية أودعها مثالب القبائل العدنانية. ولو أنه كان مخلصا فى تشيعه حقّا لأعلى صلة التشيع بينه وبين الكميت على العصبية القبلية، وخاصة أن الكميت كان قد مات منذ زمن بعيد. وأثار ذلك أبو سعد المخزومى فاندلعت بينهما معركة هجاء عنيفة. والحق أن الهجاء كان طبعا ركّب فى نفسه حتى لنراه يهجو بجانب كل من أسدى إليه صنيعة زوجته وأخاه رزينا وأهل مدينة «قم» بل الناس جميعا، يقول:

ما أكثر الناس، لا، بل ما أقلّهم ... والله يعلم أنى لم أقل فندا

إنى لأفتح عينى حين أفتحها ... على كثير ولكن لا أرى أحدا

وممن هجاهم فأقذع فى هجائه مالك بن طوق التغلبى ممدوح أبى تمام، ويقال إنه وجد عليه موجدة شديدة جعلته يرسل له من اغتاله فى بعض قرى الأهواز.

واختلف الرواة فى سنة وفاته، فمنهم من جعلها فى عهد المعتصم ومنهم من تأخر بها الى سنة ٢٤٦ للهجرة. وأكبر الظن أنه لم يتأخر إلى هذا التاريخ وأنه توفى لأوائل عهد المتوكل عقب هدمه لقبور الحسين والعلويين سنة ٢٣٥.

ولعل فى كل ما قدمنا ما يصور شاعريته، فقد كان شديد العناية بصياغته وكان لا يزال يغوص على المعانى الدقيقة، ومن حين إلى حين يوشى شعره بزخرف البديع، وله أبيات كثيرة دارت على الألسنة من مثل قوله:

<<  <  ج: ص:  >  >>