قضاة البصرة، ومن طريف ما يروى من هجائه أنه كان فى جواره بالبصرة رجل من ثقيف يقال له محمد بن خالد كان شديد العداوة له، فتزوج ثقفية يقال لها عمّارة بنت عبد الرحمن، كانت موفورة الثراء، فقال أبان يهجوها ويحذرها منه:
لما رأيت البزّ والشّاره ... والفرش قد ضاقت به الحاره
واللّوز والسّكّر يرمى به ... من فوق ذى الدار وذى الداره
وأحضروا الملهين لم يتركوا ... طبلا ولا صاحب زمّاره
قلت لماذا؟ قيل أعجوبة ... محمد زوّج عمّاره
لا عمّر الله بها بيته ... ولا رأته مدركا ثاره
ماذا رأت فيه؟ وماذا رجت؟ ... وهى من النسوان مختاره
أسود كالسّفّود ينسى لدى التّ ... نّور بل محراك قيّاره
يجرى على أولاده خمسة ... أرغفة كالرّيش طيّاره
وأهله-فى الأرض من خوفه ... إن أفرطوا فى الأكل-سيّاره
وما كادت عمارة تسمع هذا الهجاء حتى فرّت على وجهها، وهو هجاء يدل على ما وراءه من ظرف. ولا يكاد يظلّ الناس عصر الرشيد والبرامكة الأجواد حتى نراه يهاجر من موطنه إلى بغداد، متجها توّا إلى الفضل (١). يحيى، ومدبجا فيه قصيدة طويلة صوّر فيها نفسه مثالا للنديم وأوصافه التى كانت تشترط لهذا العصر فى الندماء، يقول:
أنا من بغية الأمير وكنز ... من كنوز الأمير ذو أرباح
كاتب حاسب أديب خطيب ... ناصح راجح على النّصّاح
شاعر مفلق أخفّ من الري ... شة مما تكون تحت الجناح
وظريف الحديث من كلّ فنّ ... وبصير بترّهات الملاح
كم وكم قد خبأت عندى حديثا ... هو عند الملوك كالتّفّاح
(١) فى بعض الروايات أنه اتجه إلى جعفر.